للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقوله تعالَى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البَقَرَة: ٢٨٢]، ولِأنَّها أمانةٌ؛ فلَزِمَ أداؤها؛ كالوديعة.

(قَالَ (١) الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ (٢) لَزِمَتْهُ (٣) الشَّهَادَةُ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ (٤)، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ (٥) إِقَامَتِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ)، ظاهِرُه: أنَّ أداءَ الشَّهادة فَرْضُ عَينٍ، وهو المنصوصُ (٦)؛ لِظاهِرِ الآيات، ولقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النِّسَاء: ٥٨].

وقِيلَ: بَلْ أداؤها فَرْضُ كِفايَةٍ، جزم (٧) به أبو الخَطَّاب والمؤلِّفُ في كُتُبِه.

فَعَلَى هذا: إذا كان المتحمِّلُ جماعةً؛ فالأداءُ مُتعلِّقٌ بالجميع، فإذا قامَ به مَنْ يَكفِي؛ سَقَطَ عن الجميع، وإنِ امْتَنَعَ الكلُّ أَثِمُوا.

وإنْ لم يُوجَدْ إلاَّ مَنْ يَكفِي؛ تَعَيَّنَ عَلَيهِ؛ كما لو وُجِدَ مؤذنٌ (٨) واحِدٌ، ولو كان عبدًا لم يَمنَعْهُ سيِّدُه؛ كصَلاةِ الفَرض.

فإنْ أدَّى شاهِدٌ وأبَى الآخَرُ، وقال: احْلِفْ أنت بَدَلِي، فهل يَأثَمُ؟ فِيهِ وجْهانِ.

فَعَلَى ما ذَكَرَه الخِرَقِيُّ: يتعيَّنُ على كلٍّ مِنْ المتحمِّلِينَ القِيامُ بالشَّهادة؛ كما يَجِبُ على المكلَّفِ الصَّلاةُ، وسَواءٌ كان المشْهودُ عَلَيهِ نَسيبًا أوْ غَيرَه، لكِنْ بشَرْطِ أنْ يَقدِرَ على أدائها، فلو كان عاجِزًا عن أدائها لِحَبْسٍ أوْ مَرَضٍ؛ لم


(١) في (م): وقال.
(٢) في (م): من.
(٣) في (ظ) و (م): لزمه.
(٤) في (ظ): البعيد والقريب.
(٥) في (م): من.
(٦) ينظر: زاد المسافر ٣/ ٥٤٠. وكتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(٧) في (م): وجزم.
(٨) في (ن): مؤدي. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي ٧/ ٣١٦.