فصل: فأمّا الماء المستعمَل في رَفْعِ الحدثِ، وما كان طاهِرًا غير مطَهِّرٍ، ففيه احتِمالان، أحدُهُما، أنه يَدفَع النجاسةَ عن نفْسِه إذا كَثر؛ لحديثِ القلَّتَين. والثاني، أنه يَنْجس، لأنَّه لا يَطْهر، أشْبَه الخَلَّ.
فصل: ولا فَرقَ بينَ يسيرِ النجاسةِ وكثيرِها، ما أدرَكَه الطرفُ وما لم يدرِكْه، إلا أنَّ ما يعفَى عن يسيرِه كالدَّمِ، حكْمُ الماءِ الذي يَتَنَجس به حكمه في العَفْو عن يسيرِه. وكذلك كلُّ نجاسةٍ نَجّسَتِ الماءَ، حكمه حكمُها، لأنَّ نجاسةَ الماءِ ناشِئة عن نجاسةِ الواقعِ، وفَرعٌ عليها، في الفرع يَثْبت له حكم أصلِه. ورُوى عن الشافعيِّ أنَّ ما لا يدرِكُه الطرف مِن النجاسةِ مَعفوٌّ عنه؛ للمَشَقَّةِ الَّلاحقةِ به. ونَصَّ في موضعٍ أن الذّبابَ إذا وَقَع على خلاءٍ رَقِيقٍ، أو بول، ثم وقع على الثَّوْبِ، غُسِلَ مَوْضِعه، ونجاسة الذُّبابِ مما لا يُدركها الطرف. ولَنا، أنّ دليلَ التنجِيسِ لا يفَرِّقُ بينَ قليلِ النجاسةِ وكثيرِها، ولا بين ما يُدركه الطرفُ وما لا يدركه، فالتَّفْرِيق تَحَكم، وما ذكروه مِن المَشَقَّةِ ممنوع؛ لأنّا إنَّما نحكم بالنجاسةِ إذا عَلِمنا وصولَها، ومع العلمِ لا يفتَرِقُ القليلُ والكثيرُ في المشقَّةِ، ثم إن المشقَّةَ بمُجرَّدِها حِكْمَةٌ لا يجوز تَعَلُّق الحكْمِ بها بمجرَّدِها، وجَعلُ ما لا يدركُه الطرَّفُ ضابطًا لها إنَّما يصحُّ بالتَّوْقِيفِ، أو باعتبارِ الشّرعِ له في مَوْضِعٍ، ولم يُوجَد واحدٌ منهما.