فإنَّ الرجلَ إن كان صادِقًا فقد أشاعَ فاحِشَتَها، وفَضَحَها على رُءُوسِ الأشْهابِ، وأقامَها مُقامَ خِزْيٍ، وحَقَّقَ عليها الغَضَبَ، وقَطَعَ نَسَبَ ولَدِها، وإن كان كاذَبًا، فقد أضافَ إلى ذلك بَهْتَها وقَذْفَها بهذه الفِرْيةِ العظيمةِ، والمرأةُ إن كانت صادقةً، فقد أكْذَبَتْه على رُءُوسِ الأشْهادِ، وأوْجَبَتْ عليه لَعْنةَ اللهِ، وإن كانت كاذبةً، فقد أفْسَدَت فِراشَه، وخانَتْه في نَفْسِها، وألْزَمَتْه اللِّعانَ والفَضِيحَةَ، وأخْرَجَتْه (١) إلى هذا المَقامِ المُخْزِي، فحَصَلَ لكلِّ واحدٍ منهما نُفْرَةٌ مِن صاحِبِه، لِما حَصَلَ إليه مِن إساءَةٍ لا يكادُ يَلْتَئِمُ لهما معها حالٌ، فاقْتَضَتْ حِكْمةُ الشَّارعِ الْتِزامَ الفُرْقَةِ بَينَهما، وإزالةَ الصُّحْبةِ المُتَمَحّضةِ مَفْسَدةً، ولأنَّه إن كان كاذِبًا عليها، فلا يَنْبَغِي أن يُسَلَّطَ على إمْساكِها مع ما صَنَعَ مِن القَبِيحِ إليها، وإن كان صادِقًا، فلا ينبغِي أن يُمْسِكَها مع عِلْمِه بحالِها، ولهذا قال العَجْلانِيُّ: كَذَبْتُ عليها إن أمْسَكْتُها.
٣٨١٤ - مسألة:(الثالثُ، التَّحْرِيمُ المُؤَبَّدُ. وعنه، أنَّه إن أكْذَبَ نَفْسَه، حَلَّتْ له) ظاهِرُ المذهَبِ أنَّ المُلاعِنَةَ تَحْرُمُ على المُلَاعِنِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فلا تَحِلُّ له وإن أكْذَبَ نفْسَه. ولا خِلَافَ بينَ أهْلِ العِلْمِ