وقال أبو حنيفةَ: إذا تَحَصَّن الخوارجُ، فاحْتاجَ الإِمامُ إلى رَمْيِهم بالمَنْجَنيقِ، فَعَل ذلك ما كان لهم عَسْكَرٌ، وما لم يَنْهَزِمُوا، وإن رَماهم البُغاةُ بالمَنْجَنِيقِ والنَّارِ، جازَ رَمْيُهم بمثلِه.
فصل: قال أبو بكرٍ: إذا اقْتَتَلَتْ طائفتان من أهلِ البَغْي، فَقَدَر الإِمامُ على قهرِهِما، لم يُعِنْ واحدةً منهما؛ لأنَّهما جميعًا على الخَطأَ، وإن عَجَز عن ذلك، وخافَ اجْتماعَهما على حَرْبِه، ضَمَّ إليه أقْرَبَهما إلى الحَقِّ، فإنِ اسْتَوَيا، اجْتَهَدَ برَأْيِه في ضَمِّ إحْدَاهُما، ولا يَقصِدُ بذلك مَعُونَةَ إحْداهُما، بل الاسْتعانةَ على الأخْرَى (١)، فإذا هَزَمَها، لم يُقاتِلْ مَن معه حتى يَدْعُوَهم إلى الطاعةِ؛ لأنَّهم قد حَصَلُوا في أمانِه. وهذا مذهبُ الشافعيِّ.
٤٥٥٧ - مسألة:(ولا يَسْتَعِينُ في حَرْبِهم بكافِرٍ) ولا بمَن يَرَى قَتْلَهم مُدْبِرِينَ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أصحابُ الرَّأْي: لا بَأْسَ أنَّ يَسْتَعِينَ عليهم بأهلِ الذِّمَّةِ والمُسْتَأْمِنِينَ وصِنْفٍ آخَرَ منهم، إذا كان أهْلُ العَدْلِ هم الظَّاهرين على مَن يَسْتَعينُونَ به. ولَنا، أنَّ القَصْدَ كَفُّهم، ورَدُّهم إلى الطَّاعةِ، لا قَتْلُهم، وهؤلاء يَقْصِدُونَ قَتْلَهم، فإن دَعَتِ الحاجةُ إلى الاسْتِعانةِ بهم، فإن كان يَقْدِرُ على كَفِّهم عن فِعْلِ ما لا يجوزُ، اسْتعانَ بهم، وإن لم يَقْدِرْ، لم يَجُزْ.