وقد روَى سعيدٌ، عن سُفْيانَ، عن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبِيهِ، أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لمَن ساحَلَ مِن أهْلِ الشّامِ الجُحْفَةَ. والحَجُّ والعُمْرَةُ سَواءٌ في هذا؛ لقولِ النبىِّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَهُنّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهْلِهِنَّ، مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ حَجًّا أوْ عُمْرَةً».
فصل: فإن مَرَّ مِن غيرِ طَرِيقِ ذِى الحُلَيْفَةِ، فمِيقاتُه الجُحْفَةُ، سَواءٌ كان شامِيًّا أو مَدَنِيًّا؛ لِما روَى أبو الزُّبَيْرِ، أنَّه سَمِع جابِرًا يُسْألُ عن المُهَلِّ، فقالَ: سَمِعْتُه، أحْسَبُه رَفع إلى النبىِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ:«مُهَلُّ أهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذى الحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الآخَرُ مِنَ الجُحْفَةِ». رَواه مسلمٌ (١). ولأنَّهَ مَرَّ على أحَدِ المَواقِيتِ دُونَ غيرِه، فلم يَلْزَمْه الإِحْرامُ قبلَه، كسائِرِ المَواقِيتِ. ولَعَلَّ أبا قَتادَةَ حينَ أحْرَمَ أصحابُه دُونَه - في قِصَّةِ صَيْدِ الحِمارِ الوَحْشِىِّ - إنَّما تَرَك الإِحْرامَ؛ لأنَّه لم يَمُرَّ على ذِى الحُلَيْفَةِ، فأخَّرَ إحْرامَه إلى الجُحْفَةِ. ويُمْكِنُ حَمْلُ حديثِ عائِشَةَ في تَأْخِيرِها إحْرامَ العُمْرَةِ إلى الجُحْفَةِ على هذا، وأنَّها لا تَمُرُّ في طَرِيقِها على ذِى الحُلَيْفَةِ، لِئَلَّا يَكُونَ فِعْلُها مُخالِفًا لقَولِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.