لم تَسْقُطْ نَفَقَتُها فيه، ولها مُطالَبَتُه بها؛ لأنَّها قد وَجَبَت، فلم تَسْقُطْ بالطلاقِ، كالدَّيْنِ. فإن عَجَّلَ لها نَفَقَةَ شَهْرٍ أو عامٍ، ثمَّ طَلَّقَها، أو ماتت قبل انقِضائِه، أو بانت بفَسْخٍ، أو إسلامِ أحَدِهما، أو رِدَّتِه، فله أن يَسْتَرْجِعَ نَفَقَةَ سائرِ الشَّهرِ. وبه قال الشافعىُّ، ومحمدُ بنُ الحسنِ. وقال أبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ: لا يَسْتَرجِعُها؛ لأنَّها صِلَةٌ، فإذا قَبَضَتْها، لم يَكُنْ له الرجوعُ فيها، كصَدَقةِ التَّطوعِ. ولَنا، أنَّه سَلَّمَ إليها النَّفَقَةَ سَلَفًا عما يَجِبُ، فإذا وُجِدَ ما يَمْنَعُ الوجوبَ، ثَبَتَ الرجوعُ، كما لو أسْلَفَها إيَّاها فنَشَزَت، أو عَجَّلَ الزَّكَاةَ إلى الساعِى، فتَلِفَ مالُه قبلَ الحَوْلِ. وقولُهم: إنَّها صِلَةٌ. قلنا: بل هى عِوَضٌ عن التمكينِ، وقد فات التمكينُ. وذكر القاضى أنَّ زوجَ الوثنيةِ والمجوسيةِ إذا دَفَعَ إليها نَفَقةَ سَنَتَيْن ثمَّ بانَتْ بإسلامِه، فإن لم يكنْ أعْلَمَها أنَّها نَفَقةٌ عَجَّلَها لها، لم يَرْجِعْ عليها؛ لأَنَّ الظاهِرَ أنَّه تَطَوَّعَ بها، وإن أعْلَمَها ذلك انْبَنَى على مُعَجِّلِ الزَّكاةِ إذا عَلَّمَ الفَقِيرَ أنَّها زكاةٌ مُعَجَّلَةٌ ثمَّ تَلِفَ المالُ، وفى الرجوعِ بها وجهان، كذا ههُنا. وكذلك يَنْبَغِى أن يكونَ في سائرِ الصُّورِ مثلُ هذا؛ لأنَّه تَبَرَّعَ بدَفْعِ ما لا يلْزَمُه مِن غيرِ إعلامِ الآخِذِ بتَعْجِيلِه، فلم يَرْجِعْ به كمُعَجِّلِ الزَّكاةِ. ولو سَلَّمَ إليها نفقةَ اليومِ، فتَلِفَتْ أو سُرِقَتْ، لم يَلْزَمْه عِوَضُهَا؛ لأنَّه بَرِئَ مِن الواجبِ بدَفْعِه، فأشْبَهَ ما لو تَلِفَتِ الزكاةُ بعدَ قَبْضِ الساعِى لها، أو الدينُ بعدَ أخْذِ صاحبِه له. واللَّهُ أعلمُ.