وحَكَى بعضُ أصْحابِنا عن مالكٍ وأبى حنيفةَ، أنَّ للفقيرِ مَدْخَلًا في التَّحَمُّلِ. وعن أحمدَ مثلُ ذلك. وحكاها أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّه مِن أهلِ النُّصْرَةِ، فكان مِن العاقلةِ كالغَنِىِّ. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ؛ لأَنَّ تَحَمُّلَ العَقْلِ مُواساةٌ، فلا تَلْزَمُ الفقيرَ كالزَّكاةِ، ولأنَّها وجَبَتْ على العاقلةِ تَخْفِيفًا على القاتلِ، فلا يجوزُ التَّثقِيلُ بها على مَن لا جِنايةَ منه، وفى إيجابِها على الفقيرِ تَثْقِيلٌ عليه، وتَكْلِيفٌ له ما لا يَقْدِرُ عليه، ولأنَّنا أجْمَعْنا على أنَّه لا يُكَلَّفُ أحَدٌ مِن العاقلةِ ما يَثْقُلُ عليه، ويُجْحِفُ به، وتَحْمِيلُ الفَقِيرِ شيئًا منها يَثْقُلُ (١) عليه، ويُجْحِفُ بمالِه، وربَّما كان الواجبُ عليه جَمِيعَ مالِه، أو أكثرَ منه، أو لا يكونُ له شئٌ أصْلًا. وأمَّا الصَّبِىُّ والمجنونُ والمرأةُ، فلا يَحْمِلُونَ منها؛ لأَنَّ فيها مَعْنَى التَّناصُرِ، وليس هم مِن أَهْلِ النُّصْرَةِ. وكذلك المُخالِف في الدِّينِ، ليس هو مِن أَهْلِ النُّصْرَةِ أيضًا.