للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذكَرْناها. وكلامُ الْخِرَقِىِّ يَدُلُّ عليه أيضًا. واشْتَرطَ القاضى أن يُوجَدَ القَتِيلُ في مَوْضِعِ عَدُوٍّ لا يَخْتَلِطُ بهم غيرُهم. وهذا مذْهبُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ الأنْصارِىَّ قُتِلَ في خيْبَرَ ولم يكُنْ بها إلَّا اليهودُ، وجميعُهم أعداءٌ. ولأنَّه متى اخْتَلَطَ بهم غيرُهم، احْتمَلَ أن يكونَ القاتِلُ ذلك الغَيْرَ. ثم ناقَضَ قولَه، فقال في قَوْم ازْدَحَمُوا في مَضِيقٍ، فافْتَرَقوا عن قَتِيلٍ، فقال: إن كان في القَوْمِ مَن بيْنَه وبينَه عَداوَةٌ، وأمْكَنَ أن يكونَ هو قَتَلَه؛ لكَوْنِه بقُرْبِه، فهو لَوْثٌ. فجعلَ العَداوَةَ لَوْثًا مِع وُجُودِ غيرِ العَدُوِّ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَسْأَل الأنْصارَ: هل كان بخيْبَرَ غيرُ اليَهودِ أم لا؟ مع أنَّ الظَّاهِرَ وُجودُ غيرِهم فيها؛ لأنَّها كانتْ أمْلاكًا للمسلمين، يقْصِدُونها لأخْذِ غَلَّاتِ أمْلاكِهم منها، وعمارَتِها، والاطِّلاعِ عليها، والامْتِيارِ (١) منها، ويَبْعُدُ أن تكونَ مدينَة على جَادَّةٍ تخْلُو مِن غيرِ أهْلِها. وقولُ الأنْصارِ: ليس لنا بخَيْبَرَ عَدُوٌّ إلَّا يَهُودُ (٢). يَدُلُّ على أنَّها قد كان بها غيرُهم ممَّن ليس بعَدُوٍّ، ولأَنَّ اشْتِراكَهم في العَداوَةِ لا يَمْنَعُ مِن وُجودِ اللَّوْثِ في حَقِّ واحدٍ، وتخْصيصِه بالدَّعْوَى مع مُشارَكَةِ غيرِه في احْتِمالِ قَتْلِه، فَلأَنْ لا يَمْنَعَ ذلك وُجودُ مَن يَبْعُدُ منه القَتْلُ أوْلَى. وما ذكَرُوه مِن الاحْتِمالِ لا يَنْفِى اللَّوْثَ، فإنَّ اللَّوْثَ لا يُشْتَرطُ فيه يَقِينُ (٣) القَتْلِ مِن المُدَّعَى عليه، فلا يُنافِيه الاحْتِمالُ، ولو تُيُقِّنَ القَتْلُ مِن المُدَّعَى عليه، لَما احْتِيجَ إلى الأيْمانِ،


(١) الامتيار: جلب الطعام.
(٢) هذا اللفظ عند الإمام أحمد، في: المسند ٤/ ٣.
(٣) في الأصل: «تعيين».