للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُسْتَحَقُّ بها قتلُ الجماعةِ؛ لأنَّها بَيِّنَةٌ مُوجِبَةٌ للقَوَدِ، فاسْتَوَى فيها الواحدُ والجماعةُ، كالبَينةِ. وقولُ أبى ثَوْرٍ نحوُ هذا. ولَنا، قولُ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُم على رجُل مِنْهُمْ، فَيُدفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِه» (١). فخَصَّ بها الواحدَ. ولأنَّها بَيِّنَةٌ ضَعِيفَة، خُولِفَ بها الأصْلُ (٢) في قَتْل الواحدِ، فيُقْتَصَرُ عليه، ويَبْقَى على الأصلِ فيما عَداه. وبَيانُ مُخالفةِ الأصلِ بها، أنَّها تَثْبُتُ باللَّوْثِ، واللَّوْثُ شُبْهةٌ مُغَلِّبَةٌ على الظَّنِّ صِدْقَ المُدَّعِى، والقَوَدُ يَسْقُطُ بالشُّبُهاتِ، فكيفَ يثْبُتُ بها! ولأَنَّ الأيْمانَ ثَبَتتِ ابْتِداءً في سائرِ الدَّعاوَى في جانبِ المُدَّعَى عليه، وهذه بخِلافِه (٣). وبيانُ ضَعْفِها، أنَّها تَثْبُتُ بقولِ المُدَّعِى ويَمِينه، مع التُّهْمَةِ في حَقِّه، والشَّكِّ في صِدْقِه، وقيامِ العَداوَةِ المانِعَةِ مِن صِحَّةِ الشَّهادَةِ عليه في إثْباتِ حَقٍّ لغيرِه، فلأَنْ تَمْنَعَ مِن قَبُولِ قولِه وحدَه في إثْباتِ حَقٍّ له أوْلَى وأحْرَى. وفارقَ البَيِّنَةَ، فإنَّها قَوِيَتْ بالعَدَدِ، وعَدالةِ الشُّهُودِ، وانْتِفاءِ التُّهْمَةِ في حَقِّهم مِن الجِهَتَيْن، في كَوْنِهم لا يُثْبِتُونَ لأنْفُسِهِم حَقًّا ولا نَفْعًا، ولا يَدْفَعُونَ عنها ضُرًّا، ولا عَداوَةَ بينَهم وبينَ المَشْهُودِ عليه، ولهذا يَثْبُتُ بها سائِرُ الحُقُوقِ والحُدودِ التى تَنْتَفِى بالشُّبُهاتِ. إذا ثَبَتَ هذا، فلا قَسامةَ فيما لا قَوَدَ فيه، في قولِ الخِرَقِىِّ، فيَطَّردَ قولُه في أنَّ القَسامةَ لا تَسُوغُ


(١) تقدم تخريجه في ٢٠/ ٢١٢، ٢٥/ ٣٧٨.
(٢) في م: «الأصول».
(٣) في الأصل: «مخالفة».