فصل: وإذا ثَبَتَتِ الشَّهادَةُ بالزِّنَى، فصَدَّقَهم المَشْهودُ عليه، لم يَسْقُطِ الحَدُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَسْقُطُ؛ لأَنَّ صِحَّةَ البَيِّنَةِ يُشْتَرَطُ لها الإنْكارُ، وما كَمَل الإِقْرارُ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}(١). وبَيَّنَ النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- السَّبِيلَ بالحَدِّ، فتجبُ إقامَتُه، ولأَنَّ البَيِّنَةَ تَمَّتْ عليه، فوَجَب الحَدُّ، كما لو لم يَعْتَرِفْ، ولأَنَّ البَيِّنَةَ إحْدى حُجَّتىِ الزِّنَى، فلم تَبْطُلْ بوُجودِ الحُجَّةِ الأُخْرَى أو بَعْضِها، كالإِقْرارِ، يُحَقِّقُه أنَّ وُجودَ الإِقرارِ يُؤَكِّدُ البَيِّنَةَ ويوافِقُها، ولا يُنافِيها، فلا يَقْدَحُ فيها، كتَزْكِيَةِ الشُّهودِ، والثَّناءِ عليهم، ولا نُسَلِّمُ اشْتِراطَ الإِنْكارِ، وإنَّما يُكْتَفَى بالإِقْرارِ في غيرِ الحَدِّ إذا وُجِدَ بكَمالِه، وههُنا لم يَكْمُلْ، فلم يَجِبْ الاكتِفاءُ به، ووَجَب سَماعُ البَيِّنَةِ والعملُ بها. وعلى هذا، لو أقَرَّ مَرَّةً، أو دونَ الأرْبعِ، لم يَمْنَعْ ذلك سَماعَ البَيِّنَةِ عليه، ولو تَمَّتِ البَيِّنَةُ، وأقَرَّ على نَفْسِه إقْرارًا تامًّا، ثم رَجَع عن إقْرارِه، لم يَسْقُطْ عنه الحَدُّ برُجوعِه، وقولُه يَقْتَضِى خِلافَ ذلك.