للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال أصحابُ الرَّأْي: لا يجوزُ. وقد سَبَق الكَلامُ في هذا. فأمَّا الخَوارِجُ إذا وَلَّوا قَاضِيًا، لم يَجُزْ قَضاوه؛ لأنَّ أقَلَّ أحْوالِهم الفِسْقُ، وهو يَمْنَعُ القَضاءَ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ قَضاؤُه، وتَنْفُذ أحْكامُه؛ لأنَّ هذا ممَّا يَتَطاوَلُ، وفي القَضاءِ بفَسادِ قَضاياه وعقودِه الأنْكِحَةَ وغيرَها ضَرَرٌ كثيرٌ، فجازَ دَفْعًا للضَّرَرِ، كما لو أقامَ الحُدُود، وأخَذَ الجِزْيَةَ والخَراجَ والزَّكاةَ.

فصل: وإنِ ارْتَكَبَ أهْلُ البَغْي في حالِ امْتِناعِهم ما يُوجِبُ الحَدَّ، ثم قُدِرَ عليهم، أُقِيمَتْ فيهم حُدُودُ الله تعالى، ولا تَسْقُطُ باخْتِلافِ الدَّارِ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ: إذا امْتَنَعُوا بدَارٍ، لم يَجِبِ الحَدُّ على أحَدٍ منهم، ولا على مَن تاجَرَ أو أُسِرَ؛ لأنَّهم خارِجُون عن دارِ الإِمامِ، فأشْبَهُوا مَن في دارِ الحَرْبِ. ولَنا، عمُومُ الآياتِ والأخْبارِ؛ ولأنَّ كَلَّ مَوْضِع تَجِبُ فيه العِبادَاتُ في أوقاتِها، تجبُ الحُدُودُ فيه عندَ وُجُودِ أسْبابِها، كدارِ أهلِ العَدْلِ؛ ولأنَّه زَانٍ أو سارِقٌ، ولا شُبْهَةَ في زِنَاهُ وسَرِقَتِه، فوَجَبَ عليه الحَدُّ، كالذي في دارِ العَدْلِ. وهكذا نقولُ (١) في مَن أتَى حَدًّا في دارِ الحَرْبِ، فإنَّه يجبُ عليه، لكنْ لا يُقامُ إلَّا في دارِ الإسْلامِ، على ما ذَكَرْناه في مَوْضِعِه.


(١) في م: «القول».