ولَنا، أنَّ الناسَ يَخْتلفون في أسْبابِ الجَرْحِ، كاخْتِلافِهم في شاربِ يَسِيرِ النَّبِيذِ، فوَجَبَ أن لا يُقْبَلَ بمُجَرَّدِ الجَرْحِ، لئَلَّا يَجْرَحَه بما لا يَراه القاضى جَرْحًا، ولأنَّ الجَرْحَ يَنْقُلُ عن الأصْلِ، فإنَّ الأصْلَ في المسلمين العَدالَةُ، والجرحُ يَنْقُلُ عنها، فلابدَّ أن يُعْرَفَ النَّاقلُ؛ لئلَّا يُعْتَقَدَ نَقْلُه بما لا يَراه الحاكمُ ناقِلًا. وقولُهم: إنَّه يُفْضِى إلى جَرْحِ الجارحِ، وإيجابِ الحَدِّ عليه. قُلْنا: ليس كذلك؛ لأنَّه يُمْكِنُه التَّعْرِيضُ مِن غيرِ تَصْريحٍ. فإن قيل: ففى بَيانِ السَّبَبِ هَتْكُ المَجْروحِ. قُلْنا: لا بُدَّ مِن هَتْكِه؛ فإنَّ الشَّهادَةَ عليه [بالفِسْقِ هَتْكٌ، ولكن جاز ذلك للحاجةِ الدَّاعِيَةِ إليه، كما جازَتِ الشَّهادةُ عليه](١) به لِإقامَةِ الحَدِّ عليه، بل ههُنا أوْلَى، فإنَّ فيه دَفْعَ الظّلْمِ عن المشْهودِ عليه، وهو حَقُّ آدَمِى، فكان أوْلَى بالجَوازِ، ولأنَّ هَتْكَ عِرْضِه بسَبَبِه، لأنَّه تعَرَّضَ للشَّهادةِ مع ارْتِكابِه ما يُوجِبُ جَرْحَه، فكان هو الهاتِكَ لنَفْسِه، إذ كان فِعْلُه المُحْوِج للناسِ إلى جَرْحِه. فإن صَرَّحَ الجارِحُ بقَذْفِه بالزِّنَى، فعليه الحَدُّ إن لم يَأْتِ بتَمامِ أرْبَعَةِ شُهَداءَ.