فصل: فأمّا الجَمْعُ بينَ الظّهْرِ والعَصْرِ، لأجْلِ المطر فالصَّحِيحُ أنَّه لا يَجُوزُ. قال الأثْرَمُ: قِيلَ لأبى عبدِ اللَّهِ: الجَمْعُ بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ في المَطرَ؟ قال: لا، ما سَمِعْتُه. وهذا اخْتِيارُ أبى بكرٍ، وابنِ حامِدٍ. وقولُ مالكٍ. وقال أبو الحسنِ التَّمِيمِىُّ: فيه قَوْلان؛ أحَدُهما، يَجُوزُ. اخْتارَه القاضى، وأبو الخَطَّابِ. وهو مَذْهَبُ الشافعىِّ؛ لِما روَى يحيى بنُ واضِحٍ، عن موسى بنِ عُقْبَةَ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، أنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَمَع في المَدِينَةِ بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ في المَطرَ (١). ولأنَّه مَعْنًى أباحَ الجَمْعَ، فأباحَه بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، كالسَّفَرِ. ولَنا، أنَّ مُسْتَنَدَ الجَمْع ما ذَكَرْنا مِن قولِ أبى سَلَمَةَ، والإِجْماعِ، ولم يَرِدْ إلَّا في المَغْرِبِ والعِشَاءِ، وحَدِيثُهم لا يَصِحُّ، فإنَّه غيرُ مَذْكُورٍ في الصِّحاحِ والسُّنَنَ. وقولُ أحمدَ: ما سَمِعْتُ. يَدُلُّ على أنَّه ليس بشئٍ، ولا يَصِحُّ القِياسُ على المَغْرِبِ والعِشاء؛ لِما بينَهما مِن المَشَقَّةِ لأجْلِ الظُّلْمَةِ، ولا القِيَاسُ على السَّفَرِ؛ لأنَّ مَشَقَّتَه لأجْلِ السَّيْرِ وفَواتِ الرُّفْقَةِ، وهو غيرُ مَوْجُودٍ ههُنا.
(١) أخرجه عبد الرزاق، في: باب جمع الصلاة في الحضر، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٥٥٦. وانظر: تلخيص الحبير لابن حجر ٢/ ٥٠.