للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال ابنُ عُمرَ: فإن كان خَوْفٌ أشَدُّ مِن ذلك، صَلَّوْا رِجالًا قِيامًا على أقْدَامهم، ورُكْبانًا مُسْتَقْبلى القِبْلَةِ وغيرَ مُسْتَقْبِلِيها. مُتَّفَقٌ عليه (١). ورُوِى ذلك عن النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولأنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى بأصحابِه في غيرِ شِدَّة الخَوْفِ، فأمَرَهم بالمَشْى إلى وِجاهِ العَدُوِّ وهم في الصَّلاةِ، ثم يَعُودُون لقَضاءِ ما بَقِىَ مِن صَلَاِتهم، وهذا مَشْىٌ كَثِيرٌ، وعَمَلٌ طَوِيلٌ، واسْتِدْبارٌ للقِبْلَةِ، فإذا جاز ذلك مع أنَّ الخَوْفَ ليس بشدِيدٍ، فمع شِدَّتِهِ أوْلَى. ومِنْ العَجَبِ اخْتِيَارُ أبى حنيفَةَ هذا الوَجْهَ دُونَ سائِرِ الوُجُوهِ التى لا تَشْتَمِلُ على العَمَلِ في أثْناء الصَّلاةِ، وتَسْوِيغُه إيّاهُ مع الغِنَى عنه، ثم مَنْعُه في حالِ الحاجَةِ إليه، بحيثُ لا يَقْدِرُ على غيرِه، فكان العَكْسُ أوْلَى، ولأنَّه مُكَلَّفٌ تَصِحُّ طَهارَتُه، فلم يَجُزْ له إخْلاءُ وَقْتِ الصَّلاةِ عن فِعْلِها، كالمَرِيضِ، ويُخَصُّ الشافعىُّ بأنَّه عَمَلٌ أُبِيحَ للخَوْفِ، فلم يُبْطِلِ الصلاةَ، كاسْتِدْبارِ القِبْلَةِ، والرُّكُوبِ، والإيماءِ، وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذَكَرَه. فأمّا تَأْخِيرُ الصَّلاةِ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فرَوَى أبو سعيدٍ، أنَّه كان قبلَ نُزُولِ صلاةِ الخَوْفِ. ويَحْتَمِل أنَّه شَغَلَه المُشْرِكُون فنَسِىَ الصلاةَ، فقد نُقِلَ ما يَدُلُّ على ذلك (٢). ويُؤَكِّدُ ما ذَكَرْنا، أنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابَه لم


(١) أخرجه البخارى، في: باب صلاة الخوف رجالا وركبانا راجل قائم، من كتاب صلاة الخوف، وفى: باب تفسير سورة البقرة، من كتاب التفسير. صحيح البخارى ٢/ ١٨، ٦/ ٣٨. ومسلم، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم ١/ ٥٧٤. كما أخرجه الإمام مالك، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة الخوف. الموطأ ١/ ١٨٤.
(٢) انظر ما تقدم في ٣/ ١٤٥.