وقال الشافعىُّ: يُكْرَهُ لها غَسْلُه، فإن غَسَّلَتْه جاز؛ لأنَّ القَصْدَ التَّنْظِيفُ، وليس لزَوْجِها غَسْلُها؛ لأنَّ المُسْلِمَ لا يُغَسِّلُ الكَافِرَ، ولا يَتَوَلَّى دَفْنَه على ما يَأْتِي، ولأنَّه لا مِيراثَ بينَهما, ولا مُوالاةَ، وقد انْقَطَعَتِ الزَّوْجِيَّةُ بالمَوْتِ. ويَتَخَرَّجُ جَوازُ ذلك بِناءً على جَوازِ غَسْلِ المُسْلِمِ الكافِرَ، وهو مَذْهَبُ الشافعىِّ.
فصل: وليس لغيرِ مَن ذَكَرْنا مِن الرِّجالِ غَسْلُ أحَدٍ مِن النِّساءِ، ولا لأحَدٍ مِن النِّساءِ غَسْلُ غيرِ مَن ذَكَرْنا مِن الرِّجالِ، وإن كُنَّ ذواتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وهذا قَوْلُ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه حُكِىَ له عن أبى قِلابَةَ غَسْلُ ابنَتِه (١)، فاسْتَعْظَمَ ذلك، ولم يُعْجِبْه. وذلك لأنَّها مُحَرَّمَةٌ حالَ الحياةِ، فلم يَجِبْ غَسْلُها، كالأجْنَبِيَّةِ، وأُخْتِه مِن الرَّضَاعِ.
فإن لم يُوجَدْ مَن يُغَسِّلُها مِن النِّساءِ، فقال مُهَنَّا: سَألْتُ أحمدَ عن الرجلِ يُغَسِّلُ أُخْتَه إذا لم يَجِدْ نِساءً. قال: لا. قُلْتُ: فكيف يَصْنَعُ؟ قال: يُغَسِّلُها وعليها ثِيَابُها، يَصُبُّ الماءَ صَبًّا. قلتُ لأحمدَ: وكذلك كلُّ ذاتِ مَحْرَمٍ تُغَسَّلُ وعليها ثِيابُها؟ قال: نعم. وذلك لأنَّه لا يَحِلُّ مَسُّها.
والأوْلَى أنَّها تُيَمَّمُ، كالأجْنَبيَّةِ؛ لأنَّ الغَسْلَ مِن غيرِ مَسٍّ لا يَحْصُلُ به التَّنْظِيفُ، ولا إزَالَةُ النَّجاسَةِ، بل رُبَّما كَثُرَتْ، أشْبَهَ ما لو عَدِمَ الماءَ.
وقال الحسنُ، ومحمدٌ، ومالكٌ، والشافعىُّ: لا بَأْسَ بغَسْلِ ذاتِ مَحْرَمِه عندَ الضَّرُورَةِ.
(١) أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب ما قالوا في الرَّجل يغسل ابنته، من كتاب الجنائز. المصنف ٣/ ٢٥١.