فصل: قال أحمدُ: يُعَمَّقُ القَبْرُ إلى الصَّدْرِ، الرجلُ والمرأةُ في ذلك سَواءٌ. كان الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبّان ذلك. وروَى سعيدٌ، بإسْنادِه، أنَّ عُمَرَ بنَ عبدِ العزِيزِ لمّا مات ابْنُه، أمَرَهم أن يَحْفِرُوا قَبْرَه إلى السُّرَّةِ، ولا يُعَمِّقُوا، فإنَّ ما على ظَهْرِ الأرْضِ أفْضَلُ مِمّا سَفُلَ منها.
وذَكَر أبو الخَطَّابِ أنَّه يُسْتَحَبُّ أن يُعَمَّقَ قَدْرَ قامَةٍ وبَسْطَةٍ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - قال:«احْفِرُوا، وَأوْسِعُوا، وَأعْمِقُوا». رَواه أبو داودَ (١). ولأنَّ ابنَ عُمَرَ أوْصَى بذلك. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ ما ذَكَرْنا أوَّلًا؛ لأنَّ التَّعْمِيقَ قَدرَ قامَةٍ وبَسْطَةٍ يَشُقُّ، ويَخْرُجُ عن العادَةِ.
وقَوْلُه - صلى الله عليه وسلم -: «أَعْمِقُوا» ليس فيه بَيانُ قَدْرِ التَّعْمِيقِ، ولم يَصِحَّ مَا رَوَوه عن ابنِ عُمَرَ، ولو صَحَّ عندَ أحمدَ لم يَعْدُه إلى غيرِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُه وتَعْمِيقُه وتَوْسِيعُه؛ للخَبَرِ. وقد روَى زيدُ بنُ أسْلَمَ،
(١) في: باب في تعميق القبر، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود ٢/ ١٩١، ١٩٢. كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في دفن الشهداء، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى ٧/ ٢٠٦. والنسائى، في: باب ما يستحب من إعماق القبر، وباب ما يستحب من توسيع القبر، وباب دفن الجماعة في القبر الواحد، وباب من يقدم، من كتاب الجنائز. المجتبى ٤/ ٦٦ - ٦٩. وابن ماجه، في: باب ما جاء في حفر القبر، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه ١/ ٤٩٧. والإمام أحمد، في: المسند ٤/ ١٩، ٢٠.