بالكَيْلِ؛ لأنَّ الأوْسَاقَ مَكِيلَةٌ، وإنّما نُقِلَتْ إلى الوَزْنِ لتُضْبَطَ وتُحْفَظَ وتُنْقَلَ؛ لعَدَمِ إمْكانِ ضَبْطِ الكَيْلِ، ولذلك تَعَلَّقَ وُجُوبُ الزكاةِ بالمَكِيلاتِ دُونَ المَوْزُوناتِ، والمَكِيلاتُ تَخْتَلِفُ في الوَزْنِ؛ فمنها الثَّقِيلُ، كالحِنْطَةِ والعَدَسِ، ومنها الخَفِيفُ، كالشَّعِيرِ والذُّرَةِ، ومنها المُتَوَسِّطُ. وقد نَصَّ أحمدُ على أنَّ الصّاعَ خَمْسَةُ أرْطالٍ وثُلُثٌ مِن الحِنْطَةِ. رَواه عنه جماعَةٌ. وقال حَنْبَلٌ: قال أحمدُ: أخَذْتُ الصّاعَ مِن أبى النَّضْرِ (١). وقال أبو النَّضْرِ: أخَذْتُه مِن ابنِ أبى ذِئْبٍ. وقال: هذا صاعُ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الذى يُعْرَفُ بالمَدِينَةِ. قال أبو عبدِ اللَّهِ: فأخَذْنا العَدَسَ، فعَيَّرْنا به، وهو أصْلَحُ ما يُكالُ به؛ لأنَّه لا يَتَجافَى عن مَواضِعِه، فكِلْنا به ثم وَزَنّاه، فإذا هو خَمْسَةُ أرْطالٍ وثُلُثٌ. قال: هذا أصْلَحُ ما وَقَفْنا عليه، وما بُيِّنَ لنا مِن صاعِ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. فمتى بَلَغ القَمْحُ ألْفًا وسِتَّمائةِ رَطْلٍ أو نَحْوَه مِن العَدَسِ، ففيه الزكاةُ؛ لأنَّهم قَدَّرُوا الصّاعَ بالثَّقِيلِ، فأمّا الخَفِيفُ فتَجِبُ الزكاةُ فيه إذا قارَبَ هذا وإن لم يَبْلُغْه. ومتى شَكَّ في وُجُوبِ الزكاةِ فيه، ولم يَجِدْ مِكْيالًا يُقَدِّرُ به، فالاحْتِياطُ الإِخْراجُ. فإن لم يُخْرِجْ فلا حَرَجَ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكاةِ، فلا تَجِبُ بالشَّكِّ.
فصل: قال القاضى: النِّصابُ مُعْتَبَرٌ تَحْدِيدًا، فمتى نَقَص شيئًا لم تَجِبِ الزكاةُ؛ لقولِ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ
(١) هو هاشم بن القاسم بن مسلم الليثى البغدادى الحافظ، شيخ الإمام أحمد، المتوفى سنة خمس أو سبع ومائتين. تهذيب التهذيب ١١/ ١٨، ١٩.