للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ، ولأنَّ جَوازَ التَّأْخِيرِ يُنافِى الوُجُوبَ، لكَوْنِ الواجِبِ ما يُعاقَبُ على تَرْكِه، ولو جاز التَّأْخِيرُ، لجاز إلى غيرِ غايَةٍ، فتَنْتَفِى العُقُوبَةُ بالتَّرْكِ. ولو سَلَّمْنا أنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ لا يَقْتَضِى الفَوْرَ، لاقْتَضاه في مَسْألَتِنا، إذ لو جاز التَّأْخِيرُ ههُنا لَأخّرَه بمُقْتَضَى طَبْعِه، ثِقَةً منه بأنَّه لا يَأْثَمُ بالتَّأْخِيرِ، فيَسْقُطُ عنه بالمَوْتِ، أو بتَلَفِ مالِه، أو بعَجْزِه عن الأداءِ، فيَتَضَرَّر الفُقَراءُ، ولأنَّ ههُنا قرِينَةً تَقْتَضِى الفَوْرَ، وهو أنَّ الزكاةَ وَجَبَتْ لحاجَةِ الفُقَراءِ، وهى ناجزَةٌ، فيَجِبُ أن يكونَ الوُجُوبُ ناجِزًا، ولأنَّها عِبادَةٌ تَتَكَرَّرُ، فلم يَجُزْ تَأْخِيرُها إلى وقْتِ وُجُوبِ مثلِها، كالصلاةِ والصومِ. قال الأثْرَمُ: سمعتُ أَبا عبدِ اللَّه يُسْألُ عن الرَّجل يَحُولُ الحَوْلُ على مالِه، فيُؤَخِّرُ عن وقتِ الزكاةِ؟ فقال: لا, ولِمَ يُؤَخِّرُ إخْراجَها؟ وشَدَّدَ في ذلك. قِيلَ: فابْتَدَأ في إخْراجِها، فجَعَلَ يُخْرِجُ أوَّلًا فأوَّلًا. فقال: لا، بل يُخْرِجُها كلَّها إذا حال الحَوْلُ. فأمّا إن كان يَتَضَرَّرُ بتَعْجِيل الإِخْراجِ، مثلَ أن يَخْشَى إن أخْرَجَها بنَفْسِه أخَذَها السّاعِى منه مَرَّةً أُخْرَى، فله تَأْخِيرُها. نَصَّ عليه أحمدُ. وكذلك إن خَشِى في إخراجِها ضَرَرًا في نَفْسِه، أو مالٍ له سِواها، فله تَأْخِيرُها؛ لقَوْلِ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (١). ولأنَّه إذا جاز تَأْخِيرُ دَيْنِ الآدَمِىِّ لذلك (٢)، فتَأْخِيرُ الزكاةِ أوْلَى.


(١) تقدم تخريجه في ٦/ ٣٦٨.
(٢) سقط من: م.