وعن الحَكَمِ، قال: احْتجَمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فضَعُفَ، ثم كُرِهَتِ الحِجامَةُ للصائِمِ. وكان ابنُ عباسٍ، وهو راوى حَدِيثِهم، يُعِدُّ الحَجّامَ والمَحاجِمَ، فإذا غابَتِ الشمسُ احْتَجَمَ. كذلك رَواه الجُوزَجانِىُّ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه عَلِم نَسْخَ الحَدِيثِ الذي رَواه. ويَحْتَمِلُ أنَّه احْتَجَمَ فأفْطَرَ، كما رُوِىَ عنه، عليه السَّلامُ، أنَّه قاء فأفْطَرَ (١). فإن قِيلَ: فقد رُوِىَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى الحاجِمَ والمُحْتَجِمَ يَغْتابانِ، فقالَ ذلك. قُلْنا: لم تَثْبُتْ صِحَّةُ هذه الرِّوايَةِ، مع أنَّ اللَّفْظَ أَعَمُّ مِن السَّبَبِ، فيَجِبُ الأَخْذُ بعُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ، على أنَّنا قد ذَكَرْنا الحَدِيثَ الذي فيه بَيانُ عِلَّةِ النَّهْىِ عن الحِجامَةِ، وهي الخَوْفُ مِن الضَّعْفِ، فيَبْطُلُ التَّعْلِيلُ بما سِواه، أو تَكُونُ كلُّ واحِدَةٍ منهما عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. على أنَّ الغِيبَةَ لا تُفَطِّرُ الصائِمَ إجْماعًا، فلا يَصِحُّ حَمْلُ الحديثِ عليها. قال أحمدُ: لَأن يكونَ الحديثُ على ما جاء عن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». أحَبُّ إلينا مِن أن يَكُونَ مِن الغِيبَةِ؛ لأنَّ مَن أراد أن يَمْتَنِعَ
(١) أخرجه أبو داود، في: باب الصائم يستقئ عامدًا، من كتاب الصيام. سنن أبى داود ١/ ٥٥٥. والدارمى، في: باب القئ للصائم، من كتاب الصوم. سنن الدارمي ٢/ ١٤. والإمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٩٥، ٢٧٦، ٢٧٧، ٢٨٣، ٦/ ٤٤٣.