فصل: فعلى هذه الرِّوايةِ، إذا عَدِم الرَّقَبَةَ انْتَقَلَ إلى الصومِ المَذْكورِ، ولا نَعْلَمُ خِلافًا في دُخولِ الصومِ في هذه الكَفّارَةِ، إلَّا قَوْلًا شاذًّا يُخالِفُ السُّنَّةَ الثابِتَةَ، وقد ذَكَرْناه. ولا خِلافَ بينَ مَن أوْجَبَه أنَّه شَهْران مُتَتابعان؛ للخَبَرِ. فإن لم يَشْرَعْ في الصيامِ حتى وَجَد الرَّقَبَةَ لَزِمَه العِتْقُ؛ لأنَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - سَألَ المُواقِعَ عن ما يَقْدِرُ عليه حينَ أخْبَرَه بالعِتْقِ، ولم يَسْألْه عن ما كان يَقْدِرُ عليه حالَةَ المُواقَعَةِ، وهى حالَةُ الوُجُوبِ، ولأَنَّه وَجَد المُبْدَلَ قبلَ التَّلَبُّسِ بالبَدَلِ، فلَزِمَه، كما لو وَجَدَه حالَ الوُجُوبِ. وإن شَرَع في الصومِ قبلَ القُدْرَةِ على الإِعْتاقِ، ثم قَدَر عليه، لم يَلْزَمْه الخُرُوجُ إليه، إلَّا أن يشاءَ أن يُعْتِقَ، فيُجْزِئُه، ويَكُونُ قد فَعَل الأوْلَى. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْزَمُه العِتْقُ؛ لأنَّه قَدَر على الأصْلِ قبلَ أدْاءِ فَرْضِه بالبَدَلِ، فبَطَلَ حُكْمُ البَدَلِ، كالمُتَيمِّمِ يَرَى الماءَ. ولَنا، أنّه شَرَع في الكَفّارَةِ الواجِبَةِ عليه، فأجْزَأَتْه، كما لو اسْتَمَرَّ العَجْزُ، وفارَقَ العِتْقُ التَّيَمُّمَ، لوَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّ التَّيَمُّمَ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ وإنَّما يَسْتُرُه؛ فإذا وُجِد الماءُ ظَهَر حُكْمُه، بخِلافِ الصومِ؛ فإنَّه يَرْفَعُ حُكْمَ الجِماعِ بالكُلِّيَّةِ. الثانِى، أنَّ الصيامَ تَطُولُ مُدَّتُه، فيَشُقُّ إلْزامُه الجَمْعَ بينَه وبينَ العِتْقِ، بخِلافِ الوُضُوءِ والتَّيَمُّمِ.