للَّفْظِ على حَقِيقَتِه، والأوَّلُ أَظْهَرُ، لوَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّه لو طَعمَ وشَرِب حقِيقَةً لم يَكُنْ مُواصِلاً، وقد أقَرَّهُم على قَوْلِهم: إنَّكَ تُواصِلُ. والثانى، أنَّه قد رُوِىَ أنَّه قال:«إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّى وَيَسْقِينِى»(١). وهذا يَقْتَضِى أنَّه في النَّهارِ، ولا يَجُوزُ الأَكْلُ في النَّهارِ له ولا لغيرِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الوِصالَ غيرُ مُحَرَّمٍ. وظاهِرُ قَوْلِ الشافعىِّ أنَّه حَرامٌ؛ لظاهِرِ النَّهْىِ. ولَنا، أنَّه تَرَك الأَكْلَ والشُّرْبَ المُباحَ، فلم يَكُنْ مُحَرَّمًا، كما لو تَرَكَه في حالِ الفِطْرِ، فإن قِيلَ: فصومُ يومِ العِيدِ مُحَرَّمٌ مع كَوْنِه تَرْكًا للأَكْلِ والشُّرْبِ المُباحِ. قُلْنا: ما حُرِّمَ تَرْكُ الأَكْلِ والشُّرْبِ بنَفْسِه، وإنّما حُرِّمَ بنِيَّةِ الصومِ، ولهذا لو تَرَكَه مِن غيرِ نِيَّةِ الصومِ لم يَكُنْ مُحَرَّمًا. وأمَّا النَّهْىُ، فإنَّما أتَى به رَحْمَةً لهم، ورِفْقًا بهم؛ لِما فيه مِن المَشَقَّةِ عليهم. كما نَهَى عبدَ اللهِ بنَ عَمْروٍ عن صِيامِ النَّهارِ وقِيامِ اللَّيْلِ، وعن
(١) أخرجه البخاري، في: باب ما يجوز من اللو، من كتاب التمنى. صحيح البخاري ٩/ ١٠٦. ومسلم، في: باب النهى عن الوصال في الصوم. من كتاب الصيام. صحيح مسلم ٢/ ٧٧٦. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢٣، ٢٥٣، ٢٥٧، ٣٧٧، ٤٩٦.