فصل: وإذا اسْتَنابَ مَن حَجَّ عنه ثم عُوفِىَ، لم يَجِبْ عليه حَجٌّ آخَرُ. وهذا قولُ إسْحاقَ. وقال الشَّافعيُّ، وأصحابُ الرَّأىِ، وابنُ المُنْذِرِ: يَلْزَمُه؛ لأنَّ هذا بَدَلُ إياسٍ، فإذا بَرَأ، تَبَيَّنّا أَنَّه لم يَكُنْ مَأْيُوسًا منه، فلَزِمَه الأصْلُ، كالآيِسَةِ تَعْتَدُّ بالشُّهُورِ، ثم تَحِيضُ، يَلْزَمُها العِدَّةُ بالحَيْضِ. ولَنا، أنَّه أتَى بما أُمِرَ به، فخَرَجَ عن العُهْدَةِ، كما لو لم يَبْرَأْ، أو نَقُولُ: أدَّى حَجَّةَ الإِسْلامِ بأمْرِ الشَّرْعِ، فلم يَلْزَمْه حَجٌّ ثانٍ، كما لو حَجَّ عن نَفْسِه. ولأنَّ هذا يُفْضِى إلى إيجابِ حَجَّتَيْن عليه، ولم يُوجِبِ اللهُ عليه إلَّا حَجَّةً واحِدَةً. وقَوْلُهم: لم يَكُنْ مَأْيُوسًا مِن بُرْئِه. قُلْنا: لو لم يَكُنْ مَأْيُوسًا مِن بُرْئِه لَما أُبِيحَ له أن يَسْتَنِيبَ، فإنَّه شَرْط لجَوازِ الاسْتِنابَةِ، فأمّا الآيِسَةُ إذا اعْتَدَّتْ بالشُّهُورِ، فلا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ حَيْضِها، فإن رَأَتْ دَمًا، فليس بحَيْضٍ، ولا يَبْطُلُ به اعْتِدادُها، لكنْ مَن ارْتَفَعَ حَيْضُها لا تَدْرِى ما رَفَعَه، إذا اعْتَدَّتْ سَنَةً ثم عاد حَيْضُها، لم يَبطُل اعْتِدادُها.