ثم إن بَدا له النُّسُكُ، أحْرَمَ مِن مَوْضِعِه) مَن تَجاوَزَ المِيقاتَ مِمَّن لا يُرِيدُ النُّسُكَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْن؛ أحَدُهما، مَن لا يُرِيدُ دُخُولَ الحَرَمِ، فهذا لا يَلْزَمُه الإِحرامُ بغيرِ خِلافٍ، ولا شئَ عليه في تَرْكِه، فإنَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه أتَوْا بَدْرًا مَرَّتَيْن، وكانُوا يُسافِرُون للجهادِ وغيرِه، فيَمُرُّون بذِى الحُلَيْفَةِ غيرَ مُحْرِمِين، ولا يَرَوْن بذلك بَأْسًا. فإن بَدَا لهذا الإِحْرامُ، أحْرَمَ مِن مَوْضِعِه، ولا شئَ عليه. وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ. وبه يَقُولُ مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وصاحِبا أبى حنيفةَ. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن الإِمامِ أحمدَ، رَحِمَه الله تعالى، في الرجلِ يَخْرُجُ لحاجَةٍ وهو لا يُرِيدُ الحَجَّ، فجاوَزَ ذا الحُلَيْفَةِ، ثم أرادَ الحَجَّ: يَرْجِعُ إلى ذِى الحُلَيْفَةِ، فيُحْرِمُ. وبه قال إسْحاقُ؛ لأنَّه أحْرَمَ مِن دُونِ المِيقاتِ، فلَزِمَه الدَّمُ، كالذى يُرِيدُ دُخُولَ الحَرَم. والأوَّلُ أصَحُّ، وكَلامُ أحمدَ يُحْمَلُ على مَن يُجاوِزُ المِيقات، مِمَّن يَجِبُ عليه الإِحْرامُ؛ لقولِ النبىِّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهْلِهِنَّ، مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ أوِ العُمْرَةَ»(١).