وفيهما مَقالٌ. ويَحْتَمِلُ اخْتِصاصَ هذا ببَيْتِ المَقْدِس دُونَ غيرِه؛ ليَجْمَعَ بينَ الصلاةِ في المَسْجِدَيْن في إحْرامٍ واحِدٍ، ولذلك أحْرَمَ ابنُ عُمَرَ منه، ولم يَكُنْ يُحْرِمُ مِن غيرِه، إلَّا مِن المِيقاتِ. وقولُ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، للصُّبَىِّ (١): هُدِيتَ لسُنَّةِ نَبِيِّك. يَعْنِى في الجَمْعِ بينَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، لا في الإِحْرامِ مِن قَبلِ المِيقاتِ، فإنَّ سُنَّةَ النبىِّ - صلى الله عليه وسلم - الإِحْرامُ مِن المِيقاتِ، بيَّنَ ذلك بفِعْلِه وقَوْلِه، وقد تَبَيَّنَ أنَّه لم يُرِدْ ذلك بإنْكارِه على عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ، حينَ أحْرَمَ مِن مِصْرِه. وأمّا قولُ عُمَرَ، وعلىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنهما، فإنَّما قالا: إتْمامُ العُمْرَةِ أن تنْشِئَها مِن بَلَدِك. يَعْنِى أن تنْشِئَ لها سَفَرًا مِن بلَدِك، تَقصِدُ له، ليسِ أن تُحْرِمَ بها مِن أهْلِك. قال أحمدُ: كان سُفْيان يُفَسِّرُه بهذا. وكذلك فَسَّرَه به أحمدُ. ولا يَصِحُّ أن يُفَسَّرَ بنَفْسِ الإِحْرامِ؛ لأنَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه ما أحْرَمُوا بها مِن بُيُوتِهم، وقد أمَرَهم اللهُ سبحانه بإتْمامِ العُمْرَةِ، فلو حُمِل قَوْلُهم على ذلك لكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه تَارِكين الأمْرَ. ثم إنَّ عُمَرَ وعليًّا ما كانا يُحْرِمان إلَّا مِن المِيقاتِ، أفَتَراهما يَرَيان أنَّ ذلك ليس بإتْمامٍ لها، ويَفْعَلانه؟! هذا لا يَنْبَغى أن يَتَوَهَّمَه أحَدٌ. ولذلك أنْكَرَ عُمَرُ على عِمْرانَ إحْرامَه مِن مِصْرِه، واشْتَدَّ عليه، وكَرِه أن يَتَسامَعَ النّاسُ، مَخافَةَ أن يُؤْخَذَ به، أفتراه كَرِه إتْمامَ العُمْرَةِ، واشْتَدَّ عليه أن يَأْخُذَ النّاسُ بالأفْضَلِ؟! هذا لا يَجُوزُ، فتَعَيَّنَ حَمْلُ قَوْلِهما على ما حَمَلَه عليه الأئِمَّةُ.