ثم عاد إليها مُتَمَتِّعًا، ناوِيًا للإقامَةِ بها أو غيرَ ناوٍ، فَعَلَيْه دَمُ مُتْعَةٍ؛ لأنَّه خَرَج بالانْتِقالِ عنها عن أن يَكُونَ مِن أهْلِها. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ؛ وذلك لأنَّ حُضُورَ المسْجِدِ الحَرامِ إنَّما حَصَل بنيَّةِ الإِقامَةِ وفِعْلِها، وهذا إنَّما نَوَى الإِقامَةَ إذا فَرَغ مِن أفْعالِ الحَجِّ؛ لأنَّه إذا فَرَغ مِن عُمْرَتِه فهو ناوٍ للخُرُوجِ إلى الحَجِّ، فكَأنَّه إنَّما نَوَى أن يُقِيمَ بعدَ وُجُوبِ الدَّمِ عليه، فأمّا إن سافَرَ المَكِّىُّ غيرَ منْتَقِلٍ، ثم عاد فاعْتَمَرَ مِن المِيقاتِ، وحَجَّ مِن عامِه، فلا دَمَ عليه، لأنَّه لم يَخْرُجْ بذلك عن كَوْنِ أهْلِه مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ.
فصل: وهذا الشَّرْطُ الخامِسُ شَرْطٌ لوُجُوبِ الدَّمِ عليه، وليس بشَرْطٍ لكَوْنِه مُتَمَتِّعًا، فإنَّ مُتْعَةَ المَكِّىِّ صَحِيحَةٌ؛ لأنَّ التَّمَتُّع أحَدُ الأنْساكِ الثَّلَاثةِ، فَصَحَّ مِن المَكِّىِّ، كالنُّسُكَيْن الآخَرَيْن. ولأنَّ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ أن يَعْتَمِرَ في أشْهُرِ الحَجِّ ثم يَحُجَّ من عامِه. وهذا مَوْجُودٌ في المَكِّىِّ. وقد نُقِل عن أحمدَ: ليس علىِ أهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ. ومَعْناه ليس عليهم دَمُ مُتْعَةٍ؛ لأنَّ المُتْعَةَ له لا عليه، فتَعَيَّنَ حَمْلُه على ما ذَكَرْناه.
فصل: إذا تَرَك الآفاقِىُّ الإِحْرامَ مِن المِيقاتِ، وأحْرَمَ مِن دُونِه بعُمْرَةٍ، ثم حَلَّ منها، وأحْرَمَ بالحَجِّ مِن مَكَّةَ مِن عامِه، فهو مُتَمَتِّعٌ، وعليه دَمان؛ دَمُ المُتْعَةِ، ودَمِّ لإِحْرامِه مِن دُونِ المِيقاتِ. قال ابنُ المُنْذِرِ،