وإن قَدِم في العَشْرِ لم يَنْحَرْه حتى يَنْحَرَه بمِنًى؛ لأنَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصْحابَه قَدِمُوا في العَشْرِ فلم يَنْحَرُوا حتى نَحَرُوا بمِنًى. ومَن جاء قبلَ ذلك نَحَرَه عن عُمْرَتِه، وأقامَ على إحْرامِه، وكان قارِنًا. وقال الشافعىُّ: يَجُوزُ نَحْرُه بعدَ الإِحْرام بالحَجِّ. قولًا واحِدًا، وفيما قبلَ ذلك بعدَ حِلِّه مِن العُمْرَةِ احْتِمالان. وَوَجْهُ جَوازِه، أنَّه دَمٌ يَتَعَلَّقُ بالإِحْرامِ، ويَنُوبُ عنه الصِّيامُ، فجاز قبلَ يومِ النَّحْرِ، كدَمِ الطِّيبِ، ولأنَّه يَجُوزُ إذا بَدَّلَه قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فجازَ أداؤُه قبلَه، كسائِرِ الفِدْياتِ.
فصل: ويَجِبُ الدَّمُ على القارِنِ في قولِ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، إلَّا عن داودَ؛ لأنَّه قال: لا دَمَ عليه. ورُوِىَ عن طاوُسٍ. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ أنَّ ابنَ داودَ لَمّا دَخَل مَكَّةَ سُئِلَ عن القارِنِ، هل يَجِبُ عليه دَمٌ؟ فقالَ: لا. فجَرُّوا برَحْلِه. وهذا يَدُلُّ على شُهْرَةِ الأمْرِ بَيْنَهُم. ولَنا، قَوْلُه تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. وهذا مُتَمَتِّعٌ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ؛ بدَلِيلِ أنَّ عَلِيًّا لَمّا سَمِع عثمانَ يَنْهَى عن المُتْعَةِ أهَلَّ بالعُمْرَةِ والحَجِّ؛ ليَعْلمَ النّاس أنَّه ليس بمَنْهىٍّ عنه. وقال ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ الله عنهما: إنَّما القِرانُ لأهْلِ الآفاقِ، وتَلا قَوْلَه تعالى: