أخْذُه، وإلَّا فله أخْذُه والانْتِفاعُ به. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَحْلِبُها، وَيَرُشُّ على الضَّرْعِ الماءَ حتى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ، فإنِ احْتَلَبَها، تَصَدَّقَ به؛ لأنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِن الأُضْحِيَةِ الوَاجبَةِ، فلم يَجُزْ للمُضَحِّى الانْتِفاعُ به، كالوَلَدِ. ولَنا، قَوْلُ علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: لا يَحْلِبُها إلَّا فَضْلًا عن تَيْسِيرِ وَلَدِها. ولأنَّه انْتِفاعٌ لا يَضُرُّ بها ولا بوَلدِها، فأشْبَهَ الرُّكُوبَ، ويُفارِقُ الوَلَدَ، فإنَّه يُمْكِنُ إيصالُه إلى مَحِلِّه، أمَّا اللَّبَنُ، فإن حَلَبَه وتَرَكَه فَسَد، وإن لم يَحْلِبْه تَعَقَّدَ الضَّرْعُ وأضَرَّ بها، فجُوِّزَ له شُرْبُه، وإن تَصَدَّقَ به كان أفْضَلَ؛ لأنَّ فيه خُرُوجًا مِن الخِلافِ. وإنِ احْتَلَبَ (١) ما يَضُرُّ بها أو بوَلَدِها، لم يَجُزْ له, وعليه الصَّدَقَةُ به، وإن شَرِبَه ضَمِنَه؛ لأنَّه تَعَدَّى بأخْذِه. وهكذا الحُكْمُ في الهَدْيَةِ. فإن قيلَ: فصُوفُها وشَعَرُها إذا جَزَّه تَصَدَّقَ به، ولم يَنْتَفِعْ به، فلِمَ جَوَّزْتُم له الانْتِفَاعَ باللَّبَنِ؟ قُلْنَا: الفَرْقُ بينَهما مِن وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، أنَّ لَبَنَها يَتَوَلَّدُ مِن غِذائِها وعَلَفِها، وهو القائِمُ به، فجازَ صَرْفُه إليه, كما أنَّ المُرْتَهِنَ إذا عَلَف الرَّهْنَ، كان له أن يَرْكَبَ ويَحْلِبَ، وليس له أن يأْخُذَ الصُّوفَ ولا الشَّعَرَ. الثانى، أنَّ الصُّوفَ والشَّعَرَ يُنْتَفَعُ به على الدَّوامِ، فجَرَى مَجْرَى جِلْدِها وأجْزائِها، واللَّبَنُ يُشْرْبُ ويُؤْخَذُ شيئًا فشيئًا، فجَرَى مَجْرَى مَنافِعِها ورُكُوبِها، ولأن اللَّبَنَ يَتَجَدَّدُ كلَّ يومٍ، والصُّوفَ والشَّعَرَ عَيْن مَوْجُودَة دَائِمَةٌ في جَمِيعِ الحَوْلِ.