وإن ثَبَتُوا جازَ؛ لأنَّ لهم غَرَضًا في الشَّهادةِ، مع جَوازِ الغَلَبَةِ أيضًا. وإن غَلَب على ظَنِّهم الهَلاكُ في الإِقامَةِ والانْصِرافِ، فالأوْلَى لهم الثَّباتُ؛ ليَنالُوا دَرَجَةَ الشُّهَداء المُقْبلِين على القِتال مُحْتَسِبين، فيكونوا أفْضَلَ مِن المُوَلِّين، ولأنَّه يجوزُ أن يَغْلِبُوا أيضًا، فقد قال تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}(١) الآية. ولذلك صَبَر عاصمٌ وأصحابُه، فقاتَلُوا حتى أكرَمَهُم اللَّه بالشَّهادَةِ.
فصل: فإن جاءَ العَدُوُّ بَلَدًا، فلأهْلِه التَّحَصُّنُ منهم، وإن كانُوا أكْثَرَ مِن نِصْفِهم؛ ليَلْحَقَهم مَدَدٌ أو قُوَّةٌ، ولا يكُونُ ذلك تَوَلِّيًا ولا فِرارًا، إنَّما التَّوَلِّى بعدَ اللِّقاءِ. فإن لَقُوهم خارِجَ الحِصْنِ، فلهُم التَّحَيُّزُ إلى الحِصْنِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ التَّحَرُّفِ للقِتالِ، أو التَّحَيُّزِ إلى فِئَةٍ. وإن غَزَوْا فذَهَبَتْ دَوابُّهم، فليس ذلك عُذْرًا في الْفِرارِ؛ لأنَّ القِتالَ مُمْكِنٌ للرَّجّالَةِ. وإن تَحَيَّزُوا إلى جَبَلٍ ليُقاتِلُوا فيه رَجَّالَةً، فلا بَأْسَ؛ لأنَّه تَحَرُّفٌ للقِتالِ. وإن ذَهَب سِلاحُهم، فتَحَيَّزُوا إلى مكانٍ يُمْكِنُهم القِتالُ فيه بالحجارَةِ،