الإِمامَ يُخَيَّرُ في الأسْرَى بينَ القَتْلِ والمَنِّ والفِداءِ والاسْتِرْقاقِ، فكذلك الحاكِمُ، وإن حَكَم عليهم بإعْطاءِ الجِزْيَةِ، لم يَلْزَمْ حُكْمُه؛ لأنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فلا يَثْبُتُ إلَّا بالتَّراضِى، ولذلك لا يَمْلِكُ الإِمامُ إجْبارَ الأسِيرِ على إعْطاءِ الجزْيَةِ، وإن حَكَم بالمَنِّ على المُقاتِلَةِ، وسَبْىِ الذُّرِّيَّةِ، فقال القاضى: يَلْزَمُ حُكْمُه. وهو مذهبُ الشافعىِّ، لأنَّ الحُكمَ إليه فيما يَرَى المَصْلَحَةَ فيه، فكان له المَنُّ، كالإمام في الأسْرَى. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ أنَّ حُكْمَه لا يَلْزَمُ؛ لأنَّ عليه أَن يَحكُمَ بما فيه الحَظُّ، ولا حَظَّ في المَنِّ. وإن حَكَم بالمَنِّ على الذُّرِّيَّةِ، فيَنْبَغِى أن لا يَجُوزَ، لأنَّ الإِمامَ لا يَمْلِكُ المَنَّ على الذُّرِّيَّةِ إذا سُبُوا، فكذلك الحاكِمُ، ويَحْتَمِلُ الجوازَ؛ لأنَّ هؤلاء لا يتَعَيَّنُ السَّبْىُ فيهم، بخِلافِ مَن سُبِىَ، فإنَّه يَصِيرُ رَقِيقًا بنَفْسِ السَّبْى.