للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه أرادَ بالوُضُوءِ غَسْلَ اليَدِ، لأنَّ إضافَتَه إلى الطَّعامِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على ذلك،

كما كان - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بالوُضُوءِ قبلَ الطَّعام وبعدَه، وخُصَّ ذلك بلَحمَ الإِبِلِ؛

لأنَّ فيه مِن الحَرارَةِ والزُّهُومَةِ (١) مَا ليس في غيرِه. قُلْنا: أمّا الأوَّل

فمُخالِفٌ للظّاهِرِ، مِن وجُوهٍ، أحَدُها، أنَّ مُقْتَضَى الأمرِ الوُجُوبُ.

الثاني، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن حُكْمَ هذا اللّحمَ، فأجابَ بالأمرِ بالوُضُوء منه، فلو حُمِل على غيرِ الوُجُوبِ كان تَلْبِيسًا لا جَوابًا. الثالثُ، أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَرَنَه بالنَّهْي عن الوُضُوءِ مِن لُحُومِ الغَنَمِ، والمُرَادُ بالنَّهْي ههُنا نَفْيُ الإِيجابِ لا التَّحريمُ، فتَعَيَّنَ حَملُ الأمرِ على الإِيجابِ؛ ليَحصُلَ الفَرقُ. وأمّا الثاني، فلا يَصِحُّ؛ لوُجُوهٍ أربعةٍ؛ أحَدُها، أنَّه يَلْزَمُ منه حَملُ الأمرِ على الاسْتِحباب؛ لكَوْنِ غَسْلِ اليَدِ بمُفْرَدِها غيرَ واجِبٍ، وقد بَيَّنّا فَسادَه. الثاني، أنَّ الوُضُوءَ في لِسانِ الشّارِعِ إنَّما يَنْصَرِفُ إلى المَوْضُوعِ الشَّرعِيِّ، إذ الظّاهِرُ منه التَّكَلُّمُ بمَوْضُوعاتِه. الثالثُ، أنَّه خَرَج جَوابًا للسُّؤالِ عن حُكْمِ الوُضُوءِ مِن لُحُومِها، والصلاةِ في مَبارِكِها، فلا يُفهمُ مِن ذلك سِوَى الوُضُوءِ المُراد للصلاةِ ظاهِرًا. الرابعُ، أنَّه لو أراد غَسْلَ اليَدِ لَما فَرَّقَ بينَه وبينَ لَحمِ الغَنَمِ؛ فإنَّ غَسْلَ اليَدِ منهما مُسْتَحَبٌّ، وما ذَكَرُوه مِن زِيادَةِ الزُّهُومَةِ مَمنُوعٌ، كان ثَبَت فهو أمرٌ يَسيرٌ، لا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ، وصَرفُ اللَّفْظِ عن ظاهِره إنَّما يكُونُ بدَلِيلٍ قَوي بقَدرِ قُوَّةِ الظَّواهِرِ المَتْرُوكَةِ، وأقْوَى منها، فأمّا قِياسُهم فهو طَردِيٌّ لا مَعْنَى فيه، وانْتِفاء الحُكْمِ في سائِرِ المَأْكُولاتِ؛ لانْتِفاءِ المُقْتَضِي، لا لكَوْنِه


(١) الزهومة: ريح لحم سمين منتن.