عليه أن لا يُقاتِلَ حتى يَرْجِعَ إلى صَفِّه، وَفَّى له بالشَّرْطِ، إلَّا أن يَتْرُكَ قِتالَه، أو يُثْخِنَه بالجِراحِ، فيَتْبَعَه ليَقْتُلَه أو يُجْهِزَ عليه، فيَجُوزُ أن يَحُولُوا بينَه وبينَه، وإن قاتَلَهم قاتَلُوه، لأنَّه إذا مَنَعهم إنْقاذَه فقد نَقَض أمانَه، وإن أعانَ الكُفّارُ صاحِبَهم، فعلى المُسْلِمِين أن يُعِينُوا صاحِبَهم، ويُقاتِلُوا مَن أعانَ عليه، ولا يُقاتِلُون المُبارِزَ، لأنَّه ليس بسَبَبٍ مِن جِهَتِه، فإن كان قد اسْتَنْجَدَهم، أو عُلِمَ منه الرِّضا بفِعْلِهم، انْتَقَضَ أمانُه، وجازَ قَتْلُه. وذَكَر الأوْزَاعِىُّ، أنَّه ليس للمُسْلِمِين مُعاوَنَةُ صاحِبِهم، وإن أُثْخِنَ بالجِراحِ. قيل له: فخافَ المُسْلِمُون على صاحِبِهم؟ قال: وإن؛ لأنَّ المُبارَزَةَ إنَّما تَكُونُ هكذا، ولكنْ لو حَجَزُوا بينَهما، وخَلَّوْا سَبِيلَ العِلْجِ. قال: فإن عان العَدُوُّ صاحِبَهم، فلا بَأْسَ أن يُعِينَ المسلمون صاحِبَهم. ولَنا، أنَّ حَمْزَةَ وعَلِيًّا أعانا عُبَيْدَةَ بنَ الحارِثِ على قَتْلِ شَيْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، حين أُثْخِنَ عُبَيْدَةُ.
فصل: وتجُوزُ الخُدْعَةُ في الحَرْبِ، للمُبارِزِ وغيرِه، لأنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:«الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»(١). وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ورُوِىَ أنَّ عَمْرَو بنَ عَبْدِ وُدٍّ لمّا بارَزَ عَلِيًّا، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال علىٌّ: ما بَرَزْتُ لأُقاتِلَ
(١) أخرجه البخارى، في: باب الحرب خدعة، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى ٤/ ٧٧، ٧٨. ومسلم، في: باب جواز الخداع في الحرب، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم ٣/ ١٣٦١، ١٣٦٢.وأبو داود، في: باب المكر في الحرب، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٤١. والترمذى، في: باب ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى ٧/ ١٧١. وابن ماجه، في: باب الخديعة في الحرب، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٤٥، ٩٤٦. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٩٠، ١١٣، ١٢٦، ٢/ ٣١٢، ٣١٤، ٣/ ٢٢٤، ٢٩٧، ٣٠٨، ٦/ ٣٨٧، ٤٥٩.