عَمِلَ بها الخُلفاءُ بعدَه، وأخْبارُهم التى احْتَجُّوا بها تَدُلُّ على ذلك؛ فإنَّ عَوْفَ بنَ مالكٍ احْتَجَّ على خالِدٍ حينَ أخَذَ بعضَ سَلَبِ المَدَدِىِّ، فقال له عَوْفٌ: أما تَعْلَمُ أنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى بالسَّلَبِ للقاتِلِ؟ قال: بلى. وقولُ عُمَرَ: إنَّا كُنَّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ. يَدُلُّ على أنَّ هذه قَضِيَّةٌ عامَّةٌ في كل غَزْوَةٍ، وحُكمٌ مُسْتَمِرٌّ لكلِّ قاتلٍ، وإنَّما أمَرَ النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خالِدًا أن لا يَرُدَّ على المَدَدِىِّ عُقوبةً، حينَ أغْضَبَهُ عَوْفٌ بتَقْرِيعِه خالِدًا بينَ يَدَيْه، وقولُه: قد أنْجَزْتُ لك ما ذَكَرْتُ لك مِن أمْرِ رسول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وأمَّا خَبَرُ شَبْرٍ، فإنَّما أنْفَذَ له سعدٌ ما قَضَى له به رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسَمَّاهْ نَفَلًا؛ لأنَّه في الحَقِيقَةِ نَفَلٌ، لأنَّه زيادةٌ على سَهْمِه. وأمَّا أبو قَتادَةَ، فإنَّ خَصْمَه اعْتَرَفَ له به، وصدَّقَه، فجَرَى مَجْرَى البَيِّنَةِ، ولأنَّ السَّلَبَ مأْخُوذٌ مِن الغَنِيمَةِ بغيرِ تَقْدِيرِ الإِمامِ واجْتهادِه، فلم يَفْتَقِرْ إلى شَرْطِه، كالسَّهْمِ (١). إذا ثَبَت هذا، فإنَّ أحمدَ قال: لا يُعْجِبُنِى أن يأْخُذَ السَّلَبَ إلَّا بإذْنِ الإِمامِ. وهو قولُ الأوْزَاعِىِّ. وقال ابنُ المُنْذِرِ، والشافعىُّ: له أخْذُه بغيرِ إذْنٍ؛ لأنَّه اسْتَحَقَّه بجَعْلِ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له ذلك، ولا يَأْمَنُ إن أظْهَرَه عليه أن لا يُعْطاهُ. ووَجْهُ قولِ أحمدَ، أنَّه فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فيه، فلم ينْفُذْ أمرُه فيه إلَّا بإذْنِ الإِمامِ، كأخْذِ سَهْمِه. ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ هذا مِن أحمدَ على سبيلِ الاسْتِحْبابِ؛ ليَخْرُجَ مِن الخِلافِ، لا على سَبِيلِ الإِيجابِ. فعلى هذا، إن أخَذَه بغيرِ إذْنٍ، ترَك الفَضِيلَةَ، وله ما أخَذَه.