للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولأنَّ الكُفَّارَ في الغالِبِ لا يَفْهَمُون كلامَ المسلمين، ولا يَفْهَمُ المسلمون كَلامَهم، فدَعَتِ الحاجَةُ إلى الإِشارَةِ، بخِلافِ غيرِه. ومَن قال لكافِرٍ: أنْتَ آمِنٌ. فرَدَّ الأمانَ، لم يَنْعَقِدْ، لأنَّه إيجابُ حَقٍّ بعَقْدٍ، فلم يَصِحَّ مع الرَّدِّ، كالبَيْعِ، وإن قَبِلَه ثم رَدَّه انْتَقَضَ، لأنَّه حَقٌّ له، فسَقَطَ بإسْقاطِه، كالرِّقِّ.

فصل: إذا سُبِيَتْ كافِرَةٌ، وجاءَ ابْنُها يَطْلُبُها، وقال: إنَّ عِنْدِى أسِيرًا مُسْلِمًا، فأطْلِقُوها حتَّى أُحْضِرَه. فقال الإِمامُ: أحْضِرْه. فأحْضَرَه، لَزِم إطْلاقُها؛ لأنَّ المفْهُومَ مِن هذا إجَابَتُه إلى ما سألَ. فإن قال الإِمامُ: لم أُرِدْ إجابَتَه. لم يُجْبَرْ على تَرْكِ أسِيرِه، ورُدَّ إلى مَأْمَنِه. وقال أصحابُ الشافعىِّ: يُطْلَقُ الأسِيرُ، ولا تُطْلَقُ المُشْرِكَةُ، لأنَّ المسلمَ حُرٌّ لا يجوزُ أن يكونَ ثَمَنَ مَمْلْوكَةٍ، ويُقالُ: إنِ اخْتَرْتَ شِراءَها، فَائْتِ بثَمَنِها. ولَنا، أنَّ هذا يُفْهَمُ منه الشَّرْطُ، فوَجَبَ الوَفاءُ به، كما لو صَرَّح به، ولأنَّ الكافِرَ فَهِم منه ذلك، وبَنَى عليه، فأشْبَهَ ما لو فَهِم الأمانَ مِن الإِشارَةِ. وقولُهم: لا يكونُ الحُرُّ ثَمَنَ مَمْلُوكَةٍ. قُلْنا: لكنْ يصْلُحُ أن يُفادَى بها، فقد فادَى النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالأسِيرَةِ التى أخَذَها مِن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ رَجُلَيْن (١) مِن المسلمين (٢)، وفادَى رَجُلَيْن (١) مِن المسلمين بأسِيرٍ مِن الكُفَّارِ (٣)، ووَفَّى لهم برَدِّ مَن جاءَ مسلمًا، وقال: «إنَّهُ لَا يَصْلُحُ في


(١) في م: «برجلين».
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٨٧.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٨٤.