للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَهْدَهم) لقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (١). أي أعْلِمْهم بنَقْضِ عَهْدِهم، حتى تَصِيرَ أنتَ وهم سَواءً في العِلْمِ، ولا يَكْفِى وُقُوعُ ذلك في قَلْبِه، حتى يكونَ عن أمَارَةٍ تدُلُّ عليه. ولا يَفْعَلُ ذلك إلَّا الإِمامُ؛ لأنَّ نَقْضَها لخَوْفِ الخِيانةِ يَحْتاجُ إلى نَظَرٍ واجْتِهادٍ، فافْتَقَرَ إلى الحاكِمِ، ومتى نَقَضَها وفى دارِنا منهم أحَدٌ، وَجَب رَدُّهم إلى مَأْمَنِهم؛ لأنَّهم دَخَلُوا بأمانٍ، فوَجَبَ رَدُّهم إلى مَأْمَنِهم، كما لو أفْرَدَهُم بالأمانِ. وإن كان عليهم حَقٌّ اسْتَوْفَى منهم. ولا يجوزُ أنْ يَبْدأَهم بقِتالٍ ولا غارةٍ قبلَ إعْلامِهم بنَقْضِ العَهْدِ؛ للآيةِ، ولأنَّهم آمِنُون منه بحُكْمِ العَهْدِ، فلا يجوزُ قَتْلُهم، ولا أخْذُ مالِهم. فإن قيل: فقد قُلْتُم: إنَّ الذِّمِّىَّ إذا خِيفَ منه الخِيانَةُ، لم يَنْتَقضْ عَهْدُه. قُلْنا: عَقْدُ الذِّمَّةِ آكَدُ؛ لأنَّه يجبُ على الإِمامِ إجابَتُهم إليه، وهو نَوْعُ مُعاوَضَةٍ، وعَقْدُه مُؤَبَّدٌ، بخِلافِ الهُدْنَةِ والأمانِ، ولهذا لو نَقَض بَعْضُ أهلِ الذِّمَّةِ، لم يَنْتَقِضْ عَهْدُ الباقِين، بخِلافِ أهْلِ الهُدْنَةِ، ولأنَّ أهلَ الذِّمَّةِ في قَبْضَةِ الإِمامِ، وتحتَ وِلايَتِه، ولا يُخْشَى الضَّررُ كثيرًا مِن نَقْضِهم، بخِلافِ أهْلِ الهُدْنَةِ، فإنَّه يُخْشَى منهم الغارَةُ والضَّرَرُ الكثيرُ.


(١) سورة الأنفال ٥٨.