للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فجَعَلَ إعْطاءَ الجِزْيَةِ غايَةً لقِتالِهم، فمتى بذَلُوها، لم يَجُزْ قتالُهم (١)؛ للآيةِ، ولقولِ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، في حديثِ بُرَيْدَةَ: «فَادْعُهُمْ إلَى أدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ» (٢). فإن قُلْنا: إنَّ الجِزْيَةَ غيرُ مُقَدَّرَةِ الأكْثَرِ. لم يَحْرُمْ قِتالُهم حَتَّى يُجِيبُوا إلى بَذْلِ ما لا يَجُوزُ طَلَبُ أكثرَ منه.

فصل: وتَجِبُ الجِزْيَةُ في آخِرِ كلِّ حَوْلٍ. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: تَجِبُ بأوَّلِه، ويُطالَبُ بها عَقِيبَ العَقْدِ، وتَجِبُ الثانِيَةُ في أوَّلِ الحَوْلِ الثانى؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}. ولَنا، أنَّه مالٌ يتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الحَوْلِ، أو يُؤْخَذُ في آخِرِ كلِّ حَوْلٍ، فلمِ يَجِبْ بأوَّلِه، كالزَّكاةِ والدِّيَةِ، وأمّا الآيةُ، فالمرادُ بها الْتِزامُ إعْطائِها، دُون نَفْسِ الإِعْطاءِ، ولهذا يَحرُمُ قِتالُهم بمُجَرَّدِ بَذْلِها قبلَ أخْذِها.

فصل: وتُؤْخَذُ الجِزْيَةُ ممّا يُسِّرَ مِن أمْوالِهم، ولا يتَعَيَّنُ أخْذُها مِن ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الشافعىِّ، وأبى عُبَيْدٍ، وغيرِهم؛ لأنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا بَعَث مُعاذًا، رَضِىَ اللَّهُ عنه، إلى اليَمَنِ، أمَرَه أن يأْخُذَ مِن كلِّ حالمٍ دينارًا، أو عَدْلَه مَعافِرَ. وكان النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-


(١) في م: «قتادة».
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٨٦.