إنَّما جَرَى به في الشَّىْءِ اليَسِيرِ. ومَذْهَبُ الشافعىِّ، أنَّ البَيْعَ لا يَصِحُّ إلَّا بإيجابٍ وقَبُولٍ. وذَهَب بَعْضُ أصْحابِه إلى مِثْلِ قَوْلِنا. ولَنا، أن اللَّهَ تعالى أحَلَّ البَيْعَ، ولمْ يُبَيِّن كَيْفِيَّته، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فيه إلى العُرْفِ، كما رُجِعَ إليه في القَبْضِ والإِحْرازِ والتَّفْرِيقِ، والمُسْلِمُون في أسْواقِهم وبِياعاتِهم على ذلك، ولأنّ البَيْعَ كان مَوجُودًا بينَهم مَعْلُومًا عندَهم، وإنَّما عَلَّقَ الشَّرْعُ عليه أحْكامًا، وأبْقاه على ما كان، فلا يَجُوزُ تَغْيِيرُه بالرَّأْىِ والتَّحَكُّمِ، ولَمْ يُنْقَلْ عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا عن أصْحابِه -مع كثْرةِ وُقُوعِ البَيْعِ بينَهم- اسْتِعْمالُ الإِيجابِ والقَبُولِ، ولو اسْتَعْمَلُوا ذلك في بِياعاتِهم لنُقِلَ نَقْلًا شائِعًا، ولو كان ذلك شَرْطًا، لوَجَبَ نَقْلُه، ولَمْ يُتَصَوَّرْ منهم إهْمالُه والغَفْلَةُ عن نَقْلِه، ولأنَّ البَيْعَ مِمّا تَعُمُّ به البَلْوَى، فلو اشْتُرِطَ الإِيجابُ والقَبُولُ لبَيَّنَه النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيانًا عامًّا، ولم يَخْفَ حُكْمُه؛ لأنَّه يُفْضِى إلى وُقُوعِ العُقُودِ الفاسِدَةِ كَثِيرًا، وأكْلِهمُ المالَ بالباطِلِ، ولم يُنْقَلْ ذلك عن النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا عن أحدٍ مِن أصْحابِه، فيما عَلِمْناه، ولأنَّ النّاسَ يَتَبايَعُون بالمُعاطاةِ في كلِّ عَصْرٍ، ولم يُنْقَلْ إنْكارُه قبلَ مُخالِفِينا، فكان إجْماعًا،