ذلك على أنَّه تَرَكَها لهم، كما تَرَكَ لهوازِنَ نسَاءَهُم وأبْناءَهُم. وعلى القَوْلِ الأَوَّلِ، مَن كان ساكِنَ دارٍ أو مَنْزِلٍ، فهو أحَقُّ به، يَسْكُنُه ويُسْكِنُه، وليس له بَيْعُه، ولا أَخذُ أُجْرَتِه، ومَن احْتاجَ إلى مَسْكَنٍ فله بَذْلُ الأُجْرَةِ فيه، وإنِ احْتَاجَ إلى الشِّراءِ فله ذلك، كما فَعَلَ عمرُ رَضِىَ اللَّهُ عنه. وكان أبو عَبْدِ اللَّهِ إذا سَكَنَ أَعْطَاهُم أُجْرَتَها. فإن سَكَنَ بأُجْرَةٍ جازَ أن لا يَدْفَعَ إليهم الأُجْرَةَ إن أمْكَنَه؛ لأنَّهم لا يَسْتَحِقُّونَها. وقد رُوِى أنَّ سُفْيانَ سَكَنَ في بَعْضِ رِباعِ مَكَّةَ، وهَرَبَ، ولم يُعْطِهِمْ أُجْرَةً فأَدْرَكُوهُ، فَأَخَذُوها منه. وذُكِرَ لأحمدَ فعلُ سُفيانَ، فَتَبَسَّمَ. فظاهِرُ هذا أنَّه أعْجَبَه. قال ابنُ عَقِيلٍ: وهذا الخِلافُ في غيرِ مَواضِعِ المَناسِكِ. أمّا بِقاعُ المَنَاسِكِ، كمَوْضِعِ المَسْعَى والرَّمْى، فحُكْمُه حُكْمُ المَساجِدِ بغيرِ خِلافٍ.
فصل: ومَن بَنَى بِمَكَّةَ بآلةٍ مَجْلُوبَةٍ مِن غيرِ أرْضِ مَكَّةَ، جازَ بَيْعُها، كما يَجُوزُ بَيْعُ أبْنِيَةِ الوُقُوفِ وأنْقاضِها. وإن كانت مِن تُراب الحَرَم وحِجَارَتِه، انْبَنَى جَوازُ بَيْعِها على الرِّوَايَتَيْن في بَيْعِ رِباعِ مَكَّةَ؛ لأَنَّها تابِعَةٌ لها، وهكذا تُرابُ كُلِّ وَقْفٍ وأنْقاضُه. قال أحمدُ: وأمّا البِنَاءُ بمَكَّةَ فإنِّى أكْرَهُه. قال إسحاقُ: البِنَاءُ بمَكَّةَ على وَجْهِ الاسْتِخْلاصِ لنَفْسِه، لا