فصل: فإن أجْنَبَ الكافِرُ، ثم أسْلَمَ، لم يَلزَمْه غُسْلُ الجَنابَةِ، سَواءٌ اغْتَسَل في كُفْرِه أو لم يَغْتَسِلْ. وهذا قَوْلُ مَن أوْجب غُسْلَ الإِسلام، وقولُ أبي حَنِيفَةَ. وقال الشافعيّ: عليه الغُسْلُ. وهو قَولُ أبي بكرٍ؛ لَأنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الغُسْلِ، كالصَّبِيِّ والمَجْنُونِ، واغْتِسالُه في كُفْرِه لا يَرْفَعُ حَدَثَه، قِياسًا على الحَدَثِ الأصْغَرِ. وحُكِيَ عن أبي حَنِيفَةَ، وأحَدُ الوَجْهَين لأصحابِ الشافعيِّ، أنَّه يَرْتَفِعُ حَدَثُه؛ لأنَّه أصَحُّ نِيَّةً مِن الصَّبِيِّ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ الطهارةَ عِبادَةٌ مَحْضَةٌ، فلم تَصِحَّ مِن الكافِرِ، كالصلاةِ. ووجْه الأولَ أنه لم يُنْقَلْ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ أحَدًا مِمَّن أسْلَم بغُسْلِ الجَنابَةِ، مح كَثْرَةِ مَن أسْلَمَ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ البالِغِين المُتَزَوِّجِين، ولأنَّ المظِنَّةَ أُقِيمَتْ مَقامَ حَقِيقَةِ الحَدَثِ، فسَقَطَ حُكمُ الحَدَثِ، كالسَّفَرِ مع المَشَقَّةِ. ويُسْتَحَبُّ أن يَغْتَسِلَ بماءٍ وسِدْرٍ , كما في حَدِيثِ قَيسٍ. ويُسْتَحَبُّ إزالةُ شَعَرِه؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لرجلٍ أسْلَم:«ألْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ وَاختَتِنْ». رواه أبو داودَ (١).
(١) في: باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٨٦. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤١٥.