وإنَّما امْتَنَعَ لتَعَذُّرِه بزَوالِ مِلْكِه، فإذا زال المانِعُ وَجَبَ أنْ يجوزَ الرَّدُّ، كما لو رَدَّ عليه بالعَيبِ. فعلى هذا، إذا باعَها المُشْتَرِي لبائِعِها الأولِ، فوَجَدَ بها عَيبًا كان مَوْجُودًا حال العَقْدِ الأوَّلِ، فله الرَّدُّ على البائِعِ الثاني، ثم للثاني رَدُّه عليه. وفائِدَةُ الرَّدِّ ههُنا اخْتِلافُ الثَّمَنَينِ، فإنّه قد يكونُ الثّمَنُ الثانِي أكْثَرَ.
فصل: وإنِ اسْتَغَلَّ المُشْتَرِي المَبِيعَ، أو عَرَضَهُ على البَيعِ، أو تَصَرَّفَ فيه تَصَرُّفًا دالًّا على الرِّضَا به، قبلَ عِلْمِه بالعَيبِ، لم يَسْقُطْ خِيارُه؛ لأنَّ ذلك لا يَدُلُّ على الرضَا به مَعِيبًا. وإنْ فَعَلَه بعدَ عِلْمِهِ بعَيبِه، بَطَلَ خِيارُه في قولِ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: كان الحَسَنُ، وشرَيحٌ، وعُبَيدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، وابنُ أبي لَيلَى، والثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرأي، يقولُون: إذا اشْتَرَى سِلْعَةً، فَعَرَضَها على البَيعِ بعدَ عِلْمِه بالعَيبِ، بَطَلَ خِيارُه. وهذا قَوْلُ الشّافِعِيِّ. ولا أعْلَمُ فيه خِلافًا. فأمّا الأرْشُ، فقال ابنُ أبي مُوسَى: لا يَسْتَحِقُّه أيضًا. وقد ذَكَرْنَا أنَّ قِياسَ المَذْهَبِ اسْتِحْقَاقُ الأرْشِ. قال أحمدُ: أنا أقولُ: إذا اسْتَخْدَمَ العَبْدَ، فأرَادَ نُقْصانَ العَيبِ، فله ذلك. فأمّا إنِ احْتَلَبَ اللَّبَنَ الحادِثَ بعدَ العَقْدِ، لم يَسْقُطْ رَدُّه؛ لأنَّ اللَّبَنَ له، فملَكَ اسْتِيفاءَه مِن المَبِيعِ الذي يُرِيدُ رَدَّه. وكذلك إنْ رَكِبَ الدّابَّةَ لِيَنْظُرَ سَيرَها، أو اسْتَخْدَمَ الأَمةَ ليَخْتَبِرَها، أو لَبِسَ القَمِيصَ ليَعْرِفَ قَدْرَه، لم يَسْقُطْ خِيارُه؛ لأَنَّ ذلك ليس برِضًا بالمَبِيعِ، ولهذا لا يَسْقُطُ به خِيَارُ الشَّرْطِ، وإن اسْتَخْدَمَها لغيرِ ذلك اسْتِخْدامًا كثيرًا،