للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسُكُوتُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدُلُّ على الجَوازِ؛ لأنَّه لا يُقِرُّ على الخَطَأ. ولأنَّه خائِفٌ على نَفْسِه، أشْبَهَ المَرِيضَ. وهل تَلْزَمُه الإِعادَةُ، إذا قَدَر على اسْتِعْمالِ الماءِ؟ فيه رِوايَتان؛ إحْداهُما، لا تَلْزَمُه، وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، ومالكٍ، وأبي حَنِيفَةَ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لحديثِ عَمْرٍو، فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَأْمُرْه بإعادَةٍ، ولو وَجَبَتْ لَأمَرَه بها، فإنَّه لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ البَيانِ عن وَقْتِ الحاجَةِ. ولأنَّه خائِفٌ على نَفْسِه، أشْبَهَ المَرِيضَ. والثانيةُ، تَلْزَمُه الإِعادَةُ في الحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ. وهو قولُ أبي يُوسُفَ، لمحمدٍ؛ لأنَّه عُذْرٌ نادِرٌ غيرُ مُتَّصِلٍ، فلم يَمْنَعِ الإِعادَةَ، كنِسْيانِ الطهارةِ. قال الشيخُ (١): والأوَّلُ أصَحُّ. ويُفارِقُ نسْيانَ الطهارةِ، فإنَّه لم يَأْتِ بما أُمِرَ به، وإنما ظَنَّ أنَّه أتَي به، بخِلافِ مَسْأَلَتِنا. وقال الشافعيُّ: يُعِيدُ الحاضِرُ. لِما ذَكَرْنا، وفي المُسافِرِ قَوْلان.

فصل: الثاني، الجَرِيحُ والمَرِيضٌ إذا خاف على نَفْسِه مِن اسْتِعْمالِ الماءِ، فله التَّيَمُّمُ. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم ابنُ عباسٍ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وطاوُسٌ، والنَّخَعِيُّ، وقَتادَةُ, ومالكٌ، والشافعيُّ. وقال عَطاءٌ والحسنُ: لا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا عندَ عَدَمِ الماءِ. ولَنا، قَوْلُ الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. وحديثُ عَمْرِو بنِ العاصِ حينَ تَيَمَّمَ مِن خَوْفِ البَرْدِ. وحَدِيثُ صاحِبِ الشَّجَّةِ (٢). ولأنَّه يُباحُ له التَّيَمُّمُ إذا خاف العَطَشَ، أو خاف مِن سَبُعٍ، فكذلك ههُنا؛ لأنَّ الخَوْفَ لا يَخْتَلِفُ،


(١) انظر: المغني ١/ ٣٤٠.
(٢) يأتي تخريجه في صفحة ١٨٧.