للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فصل: وليس للرجلِ التَّصرُّفُ في مِلْكِه بما يَضُرُّ [به جارَه] (١)، نحوَ أن يَبْنِيَ حَمّامًا بينَ الدُّورٍ، أو يَفْتَحَ خَبّازًا بينَ العَطّارِين، أو يَجْعَلَه دُكّانَ قِصارَةٍ يَهُزُّ الحِيطانَ ويُخرِّبُها، أو يَحْفِرَ بِئْرًا إلى جانِب بِئْرِ جارِه يَجْتَذِبُ ماءَها. وبهذا قال بعضُ الحَنَفِيَّةِ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى: لا يُمْنَعُ. وبه قال الشافعيُّ، وبعضُ الحَنَفِيَّةِ؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ في مِلْكِه المُخْتَصِّ به، ولم يَتَعَلَّقْ به حَقُّ غيرِه، فلم يُمْنَعْ منه، كما لو طَبَخ في دارِه أو خَبَز فيها. وسَلَّمُوا أنَّه يُمْنَعُ مِن الدَّقِّ الذي يَهْدِمُ الحِيطانَ ويَنْثِرُها. ولَنا، قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ» (٢). ولأنَّ هذا إضْرارٌ بجِيرانِه، فمُنِعَ منه، كالذي سَلَّمُوه، وكسَقْي الأرْضِ الذي يَتَعَدَّى إلى هَدْمِ حائِطِ جارِه، أو إشْعالِ نارٍ يتَعَدَّى إلى إحْراقِه. قالُوا: ها هنا تَعَدَّتِ النّارُ التي أضْرَمَها، والماءُ الذي أرْسَلَه، فكان مُرْسِلًا لذلك في مِلْكِ غيرِه، أشْبَهَ ما لو أرْسَلَه إليها قَصْدًا. قُلْنا: والدُّخَانُ (٣) هو أجْزاءُ الحَرِيقِ الذي أحْرَقَه، فكان مُرْسِلًا له في مِلْكِ جارِه، فهو كالمارِ والماءِ، وأمّا دُخَانُ الخَبْزِ والطَّبِيخِ، فإنَّ ضَرَرَه يَسِيرٌ، ولا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، وتَدْخُلُه المُسامَحَة.


(١) في م: «بجاره».
(٢) تقدم تخريجه في ٦/ ٣٦٨.
(٣) بعده في م: «الذي».