كالنِّكاحِ إذا لم يُسَلَّمْ له المُسَمَّى، يَجِبُ فيه مَهْرُ المِثْلِ. ولَنا، أنَّه عَمِلَ في مالِ غيرِه مُتَبَرعًا، فلم يَسْتَحِقَّ عِوَضًا، كما لو لم يَعْقِدِ المُساقاةَ. ويفارِق النِّكاحَ مِن وَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّ عَقْدَ النِّكاحِ صَحِيحٌ، فوَجَبَ به العِوَضُ لصِحَّتِه، وهذا فاسِدٌ لا يُوجِبُ شيئًا. والثاني، أن الأبْضاعَ لا تُسْتَباحُ بالبَذْلِ والإِباحَةِ، والعَمَلُ ههُنا يُسْتَباحُ بذلك. ولأنَّ المَهْرَ في النِّكاحِ لا يَخْلُو مِن أن يكونَ واجِبًا بالعَقْدِ، أو بالإِصابَةِ، أو بهما؛ فإن وَجَب بالعَقْدِ، لم يَصِحَّ قياسُ هذا عليهكما لوَجْهَين؛ أحدُهما، أنَّ النِّكاحَ صَحِيحٌ، وهذا فاسِدٌ. والثاني، أنَّ العَقْدَ ههُنا لو أوْجَبَ، وإن وْجَبَ قبلَ العَمَلِ، ولا خِلافَ أنَّ هذا لا يُوجِبُ قبلَ العَمَلِ شيئًا. وإن وَجَبَ بالإصابةِ، لم يَصِحَّ القِياسُ عليه أيضًا؛ لوَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّ الإِصابةَ لا تُسْتَباحُ بالإِباحةِ والبَذْلِ، بخِلافِ العَمَلِ. والثاني، أنَّ (١) الإصابَةَ لو خَلَتْ عن العَقْدِ لأوْجَبَتْ، وهذا بخِلافِه. وإن وَجَبَ بهما، امْتَنَعَ القِياسُ عليه أيضًا؛ لهذه الوُجُوهِ كلِّها. فأمَّا إن ساقَى أحَدُهُما شَرِيكَه على أن يَعْمَلَا معًا، فالمُساقاةُ فاسِدَةٌ، والثَّمَرَةُ بينَهما على قَدْرِ مِلْكَيهِما، ويَتَقاصّانِ العَمَلَ إن تَساوَيا فيه. وإن كان لأحَدِهما فَضْلٌ، نَظَرْتَ؛ فإن كان قد شُرِطَ له فَضْلٌ في مُقابلَةِ عَمَلِه، اسْتَحَقَّ ما فَضَلَ له مِن أجْرِ المِثْلِ، وإن لم يُشْرَطْ، فليس له شيءٌ إلَّا على الوَجْهِ الَّذي ذَكَرَه أصحابُنا، وتَكَلَّمْنا عليه. واللهُ أعلمُ.