للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السلامُ، يُعَلِّمُ الناسَ ويَنْهاهم عن المُحَرَّماتِ، فكيف يُعْطِيهم إيّاها؟! فعلى هذا، يكونُ نَهْيُه - عليه السلام - عن أكْلِه نَهْيَ كَراهةٍ لا نهْيَ تَحْرِيمٍ، وكذلك قولُ الإِمامِ أحمدَ، فإنَّه لم يَخْرُجْ عن قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وفِعْلِه، بل قَصَد اتِّباعَه، وكذلك سائِرُ مَن كَرِهَه مِنَ الأئِمَّةِ، يتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهم على الكَراهةِ، فلا يكونُ في المَسْألةِ قائِلٌ بالتَّحْرِيمِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يُكْرَهُ للحُرِّ أكْلُ أُجْرَةِ الحَجّامِ، ويُكْرَهُ تَعَلُّمُ صِناعَةِ الحِجامةِ وإجارَةُ نَفْسِه لها؛ لِما ذَكَرْنا مِنَ الأخْبارِ، ولأنَّ فيها دَناءةً، فَكُرِه الدُّخُولُ فيها، كالكَسْحِ. وفيما ذَكَرْناه إن شاء اللهُ تعالى جَمْعٌ بين الأخْبارِ وتَوْفِيقٌ بينَ الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ عليها. فعلى هذا، يُطْعِمُه الرَّقِيقَ والبَهائِمَ، كما جاء في الأخْبارِ الصَّحِيحَةِ. واللهُ أعلمُ.

فصل: فأمَّا اسْتِئْجارُ الحَجّامِ لغيرِ الحِجامةِ، كالفَصْدِ، وحَلْقِ الشَّعَرِ وتَقْصِيرِه، والخِتانِ، وقَطْعِ شيءٍ مِن الجَسَدِ للحاجةِ إليه، فجائِزٌ؛ لأنَّ قَولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «كَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ». يُرِيدُ بالحِجامَةِ، كما نَهَى عن مَهْرِ البَغِيِّ، أي في البِغاءِ. ولذلك (١) لو كَسَب بصِناعةٍ (٢) أُخْرَى لم يَكُنْ خَبِيثًا، بغيرِ خِلافٍ. وهذا النَّهْي مُخالِفٌ لِلْقِياسِ فيَخْتَصُّ بالمَحلِّ الذي وَرَد فيه، ولأنَّ هذه الأُمُورَ تَدْعُو الحاجَةُ إليها، ولا تَحْرِيمَ فيها، فجازَتِ الإِجارَةُ فيها، كسائِرِ المنافِعِ المُباحَةِ.


(١) في ق، ر، ر ١: «وكذلك».
(٢) في م: «في بضاعة».