لأنَّ ذلك يُرادُ للتَّأْبِيدِ، وتَقْدِيرُ الإِجارَةِ بمُدَّةٍ يَقْتَضِي تَفْرِيغَها عندَ انْقِضائِها. فإن قيلَ: فلو اسْتَأْجَرَها للغِراسِ والبِناءِ صَحَّ مع تَقدِيرِ المُدَّةِ. قلنا: التَّصْرِيحُ بالبناءِ والغِرَاسِ صَرَفَ التَّقْدِيرَ عن مُقْتَضاه، بظاهِرِه في التَّفْرِيغِ عندَ انْقِضاءِ المُدَّةِ، إلَّا أن يَشْتَرِطَ قَلْعَ ذلك عند انْقضاءِ المُدَّةِ، فيُصْرَفُ الغِراسُ والبِناءُ عَمّا يُرادُ له بظاهِرِه، بخِلافِ مَسْألَتِنا. وإن أطْلَقَ إجارَةَ هذه الأرضِ، مع العِلْمِ بِحَالِها وعَدَمِ مائِها، صَحَّ؛ لأنَّهُما دَخَلَا في العَقْدِ عَلَى أنَّها لَا مَاءَ لَهَا، فَأَشْبَهَ ما لو شَرَطَاهُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَمَ مَائِها أو ظَنَّ المُكْتَرِي أنَّه يُمْكِنُ تَحْصِيلُ ماءٍ لها بوَجْهٍ مِن الوُجُوهِ، لم يَصِحَّ العَقْدُ؛ لأنَّه رُبَّما دَخَل في العَقْدِ بِناءً على أنَّ المالِكَ يُحَصِّلُ لها ماءً، وأنَّه يَكْتَرِيها للزِّراعَةِ مع تعَذُّرِها. وقيل: لا يَصِحُّ العَقْدُ مع (١) الإِطْلاقِ وإن عَلِمَ حالها؛ لأنَّ إطْلاقَ كِرَاءِ الأرْضِ يَقْتَضِي الزِّراعةَ. والأَوْلَى صِحَّتُه؛ لأنَّ العِلْمَ بالحالِ يَقُومُ مَقامَ الاشْتِراطِ، كالعِلْمِ بالعَيبِ يَقُومُ مَقامَ شَرْطِه. ومتى كان لها ماءٌ غيرُ دائِمٍ، أو الظاهِرُ انْقِطاعُه قبلَ الزَّرْعِ، أو لا يَكْفِي الزَّرْعَ، فهي كالتي لا ماءَ لها. ومَذْهَبُ الشافعيِّ في هذا كلِّه كما ذَكَرْنا.
فصل: وإنِ اكْتَرَى أرْضًا غارِقةً بالماءِ، لا يُمْكِنُ زَرْعُها قبل انْحِسارِه عنها، وقد يَنْحَسِرُ ولا يَنْحَسِرُ، فالعَقْدُ باطِلٌ؛ لأنَّ الانْتِفاعَ بها في الحالِ غيرُ مُمْكِنٍ، ولا يَزُولُ المانِعُ غالِبًا. وإن كان يَنْحَسِرُ عنها وَقْتَ الحاجَةِ