وإن ذَهَبَا عَقِيبَ ذلك، ففيه قَوْلانِ. واحْتَجَّا بأنَّ لهما اخْتِيارًا، وقد وُجِدَتْ منهما المُباشَرَةُ، ومِن الفاتِحِ سَبَبٌ غيرُ مُلْجِئٍ، فإذا اجْتَمَعَا، لم يَتَعَلَّقِ الضَّمانُ بالسببِ، كما لو حَفرَ بِئْرًا فجاء عَبْدٌ لإِنْسانٍ فرَمَى نَفْسَه فيها. ولَنا، أنَّه ذَهَب بسَبَبِ فِعْلِه، فلَزِمَه الضَّمانُ، كما لو نَفَّرَه، أو ذَهَب عَقِيبَ فَتْحِه وحَلِّه، والمُباشَرَةُ إنَّما حَصَلتْ مِمَّن لا يُمْكِنُ إحَالةُ الحُكْمِ عليه، فيَسْقُطُ، كما لو نَفَّرَ الطائِرَ، وأهَاجَ الدّابَّةَ، أو أشْلَى (١) كَلْبًا على صَبِيٍّ فقَتَلَه، أو أطْلَقَ نارًا في مَتاعِ إنْسانٍ، فإنَّ للنارِ فِعْلًا، لكنْ لَمَّا لم يُمْكِنْ إحالةُ الحُكْمِ عليها، كان وُجُودُه كعَدَمِه، ولأنَّ الطائِرَ وسائِرَ الصَّيدِ مِن طَبْعِه النُّفُورُ، وإنَّما يَبْقَى بالمانعِ، فإذا أُزِيلَ المانِعُ ذَهَبَ بطَبْعِه، فكان ضَمانُه على مَن أزَال المانِعَ، كمَن قَطَع عِلَاقَةَ قِنْدِيلٍ فوَقَعَ فانْكَسَرَ. وهكذا لو حَلَّ قَيدَ عَبْدٍ فذَهَبَ، أو أَسِيرٍ فأَفْلَتَ؛ لأنَّه تَلِفَ بسَبَبِ فِعْلِه.