فصل: وإذا حَضَر الثاني بعدَ أخْذِ الأوَّلِ، فأخَذَ نِصْفَ الشِّقْصِ منه، واقْتَسَما، ثُم قَدِم الثالِثُ، وطالبَ بالشُّفْعَةِ، وأخَذَ بها، بَطَلَتِ القِسْمَةُ؛ لأنَّ هذا الثالِثَ إذا أخَذَ بالشُّفْعَةِ، فهو كأنَّه مُشارِكٌ حال القِسْمَةِ؛ لثُبُوتِ حَقِّه، ولهذا لو باعَ المُشْتَرِي، ثم قَدِمَ الشَّفِيعُ، كان له إبْطالُ البَيعِ. فإن قِيلَ: وكيف تَصِحُّ القِسْمَةُ وشَرِيكُهما الثالِثُ غائِبٌ؟ قُلْنا: يَحْتَمِلُ أن يكونَ وَكَّلَ في القِسْمَةِ قَبْلَ البَيعِ أو قبْلَ عِلْمِه به، أو يكونَ الشَّرِيكان رَفَعَا ذلك إلى الحاكِمِ وطالبَاه بالقِسْمةِ عن الغائِبِ، فقاسَمَهُما، وبَقِيَ الغائِبُ على شُفْعَتِه. فإن قِيلَ: وكيف تَصِحُّ مُقاسَمَتُهُما للشِّقْصِ وحَقُّ الثالِثِ ثابِتٌ فيه؟ قُلْنا: ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لا يَمْنَعُ التَّصرُّفَ؛ لأنَّه يَصِحُّ (١) بَيعُه وهِبَتُه وغيرُهما، ويَمْلِكُ الشَّفِيعُ إبْطاله، كذا ههُنا. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الثالِثَ إذا قَدِم فوَجَدَ أحَدَ شَرِيكَيه غائِبًا، أخَذَ مِن الحاضِرِ ثُلُثَ ما في يَدِه؛ لأنَّه قَدْرُ ما يَسْتَحِقُّه، ثم إن حَكَم له القاضِي على الغائِب، أخَذَ ثُلُثَ ما في يَدِه أيضًا، وإن لم يَقْضِ، انْتَظرَ الغائبَ حتى يَقْدَمَ؛ لَأنَّه مَوْضِعُ عُذْرٍ.