فصل: إذا ادَّعَى رجلٌ على آخَرَ ثُلُثَ دار، فأنكَرَه، ثم صالحَه عن دَعْواه بثُلُثِ دار أخْرَى، صَحَّ، ووَجَبَتِ الشُّفْعَةُ في الثُّلُثِ المصالحِ به؛ لأنَّ المُدَّعِيَ يَزْعُمُ أَنَّه مُحِقٌّ في دَعْواه، وأنَّ ما أخَذَه عِوَضٌ عن الثُّلُثِ الذي ادَّعاه، فلَزِمَه حُكْمُ دَعْواه، ووَجَبَتِ الشُّفْعَةُ، ولا شُفْعَةَ على المُنْكِر في الثُّلُثِ المُصالحِ عنه؛ لأنَّه يَزْعُمُ أنَّه على مِلْكِه لم يَزُلْ، وإنَّما دَفَع ثُلُثَ دارِه إلى المُدَّعِي اكْتِفاءً لشَرِّه ودَفْعًا لضَرَرِ الخُصُومَةِ واليَمينِ عن نَفْسِه، فلم تَلْزَمْه فيه شُفْعَة. وإن قال المُنْكِرُ للمُدَّعِي: خُذِ. الثُّلُثَ الذي تَدَّعِيه بثُلُثِ دارِكَ. ففَعَلَ، فلا شُفْعَةَ على المُدَّعِي فيما أخَذَه، وعلى المُنْكِرِ الشُّفْعَةُ في الثُّلُثِ الذي يَأخُذُه؛ لأنَّه يَزْعُمُ أنَّه أخَذَه عِوَضًا عن مِلْكِه الثابِتِ له. وقال أصحابُ الشَّافعيِّ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ في الثُّلُثِ الذي أخَذَه المُدَّعِي أيضًا؛ لأنَّها مُعاوَضَة مِن الجانِبَين بشِقْصَين، فوَجَبَتِ الشُّفْعَةُ فيهما، كما لو كانت بينَ مُقِرَّين. ولَنا، أنَّ المُدَّعِيَ يَزْعُمُ أنَّ ما أخَذَه كان مِلْكًا له قبلَ الصُّلْح، ولم يَتَجَدَّدْ له عليه مِلْكٌ، وإنَّما اسْتَنْقَذَه بصُلْحِه، فلم تَجِبْ فيه شُفْعَة، كما لو أقَرَّ له به.