للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فصل: وإذا أوْدَعَه شيئًا، ثم سَألَه دَفْعَه إليه في وَقْتٍ أمْكَنَه ذلك، فلم يَفْعَلْ حتى تَلِف، ضَمِنَه. ولا نَعْلَمُ خِلافًا في وُجُوبِ رَدِّ الوَدِيعَةِ على مالِكِها إذا طَلَبَها، فأمْكَنَ أداؤُها إليه بغيرِ ضَرُورَةٍ، وقد أمَرَ اللهُ تعالى بذلك، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (١). وقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أدِّ الأمَانَةَ إلَى مَنِ ائتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» (٢). يَعْنِي عندَ طَلَبِها. ولأنَّها حَقٌّ لمالِكِها لم يتَعَلَّقْ بها حَقُّ غيرِه، فلَزِم أداؤُها إليه، كالمَغْصُوبِ والدَّينِ الحالِّ. فإنِ امْتَنَعَ مِن دَفْعِها في هذه الحال، فتَلِفَتْ، ضَمِنَها؛ لأنَّه صار غاصِبًا، لأنَّه أمْسَكَ مال غيرِه بغيرِ إذْنِه بفِعْل مُحَرَّمٍ، أشْبَهَ الغاصِبَ. فأمّا إن طَلَبَها في وَقْتٍ لم يُمْكِنْ دَفْعُها؛ لبُعْدِها، أولمَخافَةٍ في طَرِيقِها، أو للعَجْزِ عن حَمْلِها، أو غيرِ ذلك، لم يكنْ مُتَعَدِّيًا بتَرْكِ تَسْلِيمِها؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها. فإن تَلِفَتْ لم يَضْمَنْها؛ لعَدَمِ عُدْوانِه. وإن قال: أمْهِلُونِي حتى أقْضِيَ صَلاتِي -أو- آكُلَ، فإنِّي جائِعٌ -أو- أنامَ فإنِّي ناعِسٌ -أو- يَنْهَضِمَ عنِّي الطَّعامُ، فإني مُمْتَلِئٌ. أُمْهِلَ بقَدْرِ ذلك.


(١) سورة النساء ٥٨.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٦.