للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقْطَعَ بِلال بنَ الحارِثِ العَقِيقَ (١)، وهو يَعْلَمُ أنه بينَ (٢) عِمارَةِ المَدِينَةِ. ولأنَّه مَواتٌ لم تتَعَلَّقْ به مَصْلَحَةُ العامِرِ، فجاز إحْياؤُه، كالبَعِيدِ. والثانيةُ، لا يَجُوزُ إحْياؤُه. وبه قال أبو حنيفةَ، واللَّيثُ؛ لأنَّه في مَظِنَّةِ تَعَلُّقِ المَصْلَحَةِ به، فإَّنه يَحْتَمِلُ أن يَحْتاجَ إلى فَتْحِ بابٍ في حائِطِه إلى فِنائِه ويَجْعَلَه طَرِيقًا، أو يَخْرَبَ حائِطُه فيَجْعَلَ آلاتِ البِناءِ في فِنائِه، وغيرِ ذلك، فلم يَجُزْ تَفْويت ذلك عليه، بخِلافِ البَعِيدِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّما يُرْجَعُ في القَرِيبِ والبَعِيدِ إلى العُرْفِ. وقال اللَّيثُ: حَدُّه غَلْوَةٌ (٣)، وهو [خُمْسُ خُمْسِ الفَرْسَخِ] (٤). وقال أبو حنيفةَ: حَدُّ البَعِيدِ هو الذي إذا وَقَفَ الرجلُ في أدْناه، فصاح بأعْلَى صَوْتِه، لم يَسْمَعْ أدْنَى أهْلِ المِصْرِ إليه. ولَنا (٥)، أنَّ التَّحْدِيدَ لا يُعْرَفُ إلَّا بالتَّوْقِيفِ، ولا يُعْرَفُ بالرَّأْي والتَّحَكُّمِ، ولم يَرِدْ مِن الشَّرْعِ تَحْدِيدٌ له، فوَجَبَ أن يُرْجَعَ في ذلك إلى العُرْفِ، كالقَبْضِ والإِحْرازِ، فقولُ مَن حَدَّدَ بهذا تَحَكُّمٌ بغيرِ دَلِيلٍ،


(١) انظر ما تقدم في ٦/ ٥٧٧ وما سيأتي في صفحة ١٢٧.
(٢) في م: «من».
(٣) تقدر بثلاثمائة إلى أربعمائة ذراع.
(٤) في المغني ٨/ ١٥٠: «خمس الفرسخ».
(٥) في م: «الثاني».