قُلْنا: ليس لهم مَنْعُه. فسَبَقَ إلى مَسِيلِ ماءٍ أو نَهْرٍ غيرِ مَمْلُوكٍ فأحْيا في أسْفَلِه مَواتًا، ثمَّ أحْيا آخَرُ فوقَه، ثمَّ أحْيا ثالثٌ فوقَ الثانِي، كان للأسْفَلِ السَّقْيُ أوَّلًا ثمَّ الثاني ثمَّ الثالثِ، ويُقَدَّمُ السَّبْقُ إلى الإِحْياءِ على السَّبْقِ إلى أوَّلِ النَّهْرِ، لِما ذَكَرْنا.
فصل: الضَّرْبُ الثانِي، الجارِي في نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وهو قِسْمان؛ أحَدُهما، أن يكونَ الماءُ مُباحَ الأصْلِ، مثلَ أن يَحْفِرَ إنْسانٌ نَهْرًا صَغِيرًا يتَّصِلُ بنَهْرٍ كبيرٍ مُباحٍ، فما لم يتَّصِلِ الحَفْرُ لا يَمْلِكُه، وإنَّما هو تَحَجُّرٌ وشُرُوعٌ في الإِحْياءِ، فإذا اتَّصَلَ الحَفْرُ، مَلَكَه؛ لأنَّ المِلْكَ بالإِحْياءِ أن تَنْتَهِيَ العِمارَةُ إلى قَصْدِها، بحيث يتَكَرَّرُ الانْتِفاعُ بها على صُورَتِها، وهذا كذلك. وسَواءٌ أجْرَى فيه الماءَ أو لم يُجْرِه؛ لأنَّ الإِحْياءَ يَحْصُلُ بتَهْيِئَتِه للانْتِفاعِ به دُونَ حُصُولِ المَنْفَعةِ، فيَصِيرُ مالِكًا لقَرارِ النَّهْرِ وحافَّتَيه، وهَواؤُه حَقٌّ له، وكذلك حَرِيمُه، وهو مَلْقَى الطَّينِ مِن جَوانِبِه. وعندَ القاضي أنَّ ذلك غيرُ مَمْلُوكٍ لصاحِبِ النَّهْرِ، وإنَّما هو حَقٌّ مِن حُقُوقِ